مذهب أهل السنة هو الإيمان بالقدر، وقد ذكرنا قول الإمام أحمد: (القدر قدرة الله) وأراد بذلك الرد على القدرية الذين ينكرون قدرة الله على كل شيء، ويخرجون كل الأفعال عن خلق الله تعالى، وقد أشبهوا بذلك المجوس.
فالمجوس يجعلون للكون خالقين، والقدرية يجعلون مع الله من يخلق، وقد تقدم أنهم يقولون: إن القرآن مخلوق، واستدلوا بقول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16] فأدخلوا صفة الله التي هي كلامه في هذه الآية، وتناقضوا فأخرجوا أفعالهم عن عمومها، فجعلوا أفعالهم من خلقهم وليست من خلق الله، فلم يعملوا بعموم الآية: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16] .
ولا شك أن أفعال العباد أولى ما يدخل في عموم الآية، لأنها من خلق الله تعالى، وأن نسبتها إلى العباد نسبة فعل ومباشرة، ولهذا يقال: إن الله خالق كل شيء بما في ذلك حركات العباد وأفعالهم، ومع ذلك فالله تعالى هو الذي مكنهم، وأعطاهم قوة وقدرة، فهم يزاولون الأعمال بقدرتهم وبقوتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، فقدرة الله غالبة على قدرتهم، وإرادته غالبة على إرادتهم، وبذلك أصبحت أفعالهم من خلق الله تعالى؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] وأفعالهم هم الذين باشروها، فتنسب إليهم مباشرة، وتنسب إلى الله خلقاً وإيجاداً، وبما أعطاهم الله من القوة والقدرة يثابون ويعاقبون.
ولأجل ذلك نقول: إن العباد فاعلون حقيقة، والله خالقهم وخالق أفعالهم، وأن العبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وأن للعباد قدرة على أفعالهم، ولهم إرادة، ولكن هذه القدرة والإرادة مسبوقة بقدرة الخالق تعالى وبإرادته، هذا هو قول أهل السنة.