اعتقاد الإنسان زيادة إيمانه بالطاعات سبب لاستكثاره من الطاعات، واعتقاده نقص إيمانه بالمعاصي سبب لاجتنابه المعاصي، فلك أن تذكر العاصي وتقول له: يا أخي! بصفتك مؤمناً تذكر أن أعمالك هذه تنقص إيمانك! أعمالك هذه التي أنت تستمر فيها حتى ولو كانت من صغائر الذنوب.
إذا كنت في كل يوم -مثلاً- تجدد حلق لحيتك، أو تطيل ثيابك تكبراً وإعجاباً بنفسك، أو تتعاطى هذا الدخان وتشمه دائماً وتشربه، وتتهاون به، أو تسمع غناء وتزعم أنك ترفه عن نفسك وتتسلى، وأنت مصر على ذلك، ففي كل يوم ينقص جزء من إيمانك، وفي كل يوم تقدح في إيمانك وتقطع منه قطعة، وتجمع شعباً من شعب الكفر، ويزيد حظك من المعاصي وحظك من الكفر، أفلا تكون منتبهاً خائفاً أن هذا النقص وتواليه يضعف إيمانك، حتى لا يبقى منه إلا القليل، فما دمت في زمن الإمهال، فإن عليك أن تحرص كل الحرص على الأعمال التي يقوى بها إيمانك، ويضعف بها حظك من الكفر ومن المعاصي! وكذلك -أيضاً- تشجع أهل الطاعة، وتحثهم على الاستكثار منها، وتبشرهم بأنهم بكل خطوة يخطونها إلى المسجد يزيد إيمانهم، وبكل ركعة يركعونها من النوافل يزيد إيمانهم، وبكل آية يقرءونها يزيد إيمانهم، وبكل تهليلة وتكبيرة وتسبيحة، وبكل استغفار وبكل دعوة يدعون بها يزيد حظهم من الإيمان، ويقوى في قلوبهم، وكذلك تقوى أبدانهم بالإيمان، ويكثر نصيبهم من الأجر الذي رتب على الإيمان.
إذاً: اعتقادنا أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فيه هذه الفوائد، والذين جعلوا الإيمان شيئاً واحداً، وأن الناس في أصله سواء، فاتتهم هذه الفوائد، فصاروا يعتمدون على أن إيمانهم كامل لا يتزعزع ولا يتغير ولا ينقص، فلا يبالون بالنقص من الحسنات، ولا يبالون بالاقتراف للسيئات، فيقعون في المعاصي، ويتهاونون بها، ويدعون أنها لا تضر، ولا تنقص إيمانهم؛ لأنها ليست من الأعمال، والإيمان إنما هو عمل القلب، وهذه إنما هي أعمال اللسان أو أعمال البدن.
ويسبب هذا الاعتقاد السيء تهوينهم على أنفسهم أمر الذنوب، وتهوينهم على غيرهم الوقوع في المعاصي، فيقعون فيما حذر الله تعالى منه وهم لا يشعرون.