قد يقول قائل: كيف تكون الأعمال من الإيمان وهي تعطف عليه كما في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:227] فإنه يفهم منه: أن الأعمال زائدة على الإيمان؟
صلى الله عليه وسلم أن هذا العطف من عطف البيان، وعطف البيان مشهور عند العرب، فيعطف على أنه بيان لما قبله وإيضاح له وتقوية له، كأنه يؤكد أنهم متى آمنوا فإنه يزيد إيمانهم بهذه الأعمال الصالحة فيكثِّرونها، والله تعالى كثيراً ما يذكر الأعمال الصالحة ويفصل فيها، فمثلاً سورة (قد أفلح المؤمنون) ذكر الله فيها عشر صفات، أولها: الخشوع في الصلاة، وآخرها: المحافظة على الصلاة، وإذا تأملنا هذه الصفات التي أولها الإيمان وجدناها كلها متفرعة من الإيمان، وصفهم بأنهم مؤمنون، وكأنه قيل: وما هي أعمالهم؟ فقال: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] إلى آخرها، فهذا بيان بأنهم مؤمنون حقاً، وأنهم يدفعهم إيمانهم إلى فعل هذه الأشياء، فمن استكملها فهو منهم، ومن أخل بشيء منها فقد أخل بالإيمان أو قد نقص إيمانه.
وبهذا يعرف أن الإيمان يتفاوت أهله فيه، فيزيد بعضهم على بعض، فالذين يصلون ولكنهم لا يخشعون في صلاتهم أنقص إيماناً من الخاشعين في صلاتهم، والذين يصلون ولكن لا يحافظون على الصلاة جماعة، بل يتكاسلون عن الجماعة أحياناً أنقص من الذين يحافظون عليها، وكذلك الذين يعرضون عن اللغو كلياً وعن مجالس اللغو، كما قال الله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3] أي: مبتعدون؛ أكمل من الذين لا يعرضون عنه، بل يجلسون مع أهله أو يسمعون لغوهم أو نحو ذلك، فدل على أن أهل الإيمان يتفاوتون وإن كانوا كلهم مؤمنين، ولكن من استكمل هذه الصفات فقد استكمل الإيمان، ومن أخل بشيء منها فقد نقص إيمانه، والنقص قد يأتي على الآخر، وقد يبقى معه بعض الشيء.