النوع العاشر: ذكر الاستواء، وقد ورد في سبعة مواضع: في سورة الأعراف: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] ، وكذا في سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ، وفي سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان:59] ، وفي سورة السجدة، وفي سورة الحديد، وكلها ذكر فيها لفظ (استوى) ، والعرب إذا ذكرت الاستواء متعدياً بـ (على) فإنها تقصد بذلك العلو.
ودليل ذلك قوله تعالى في سفينة نوح: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44] يعني: استقرت مرتفعة عليه، وقوله تعالى في الإبل: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:13] يعني: تركبوها مرتفعين على ظهورها، فهذا الاستواء بمعنى الارتفاع، وهكذا قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) ، وقد فسرها السلف رحمهم الله، وإن كانوا يفوضون حقيقتها وكيفيتها، كما ذكر عن مالك أنه قال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول) ، وصف الاستواء بأنه معلوم، أي: معروف من جهة اللغة، فالقرآن كلام عربي فصيح، نزل على قوم يعرفونه ويفهمونه، فهو معروف، ولكن الكيفية هي المجهولة والخفية، وهذا تفسير السلف رحمهم الله، والإمام مالك إمام دار الهجرة، وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأم سلمة رضي الله عنها إحدى أمهات المؤمنين، كلهم روي عنهم هذا التفسير.
أما المعتزلة والنفاة فقد حرفوا هذه اللفظة، وجعلوها بمعنى: الاستيلاء.
فقالوا: (استوى) أي: استولى.
ورد عليهم بعض علماء أهل السنة فقالوا: الاستيلاء عام، وليس خاصاً، فالله مستول على جميع المخلوقات لا على العرش وحده، وإنما خص الله الاستواء بالعرش، وأنتم تجعلون الاستواء بمعنى الاستيلاء، ولا خصوصية للعرش بذلك، وبذلك يبطل تأويلهم، فعرفنا بذلك أن هذه الأنواع صريحة بأن الله سبحانه وتعالى فوق عباده كما أخبر في هذه الأنواع من الأدلة، وغيرها كثير.