قال الشارح رحمه الله: [الحادي عشر: التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى: كقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) ، والقول بأن العلو قبلة الدعاء فقط باطل بالضرورة والفطرة، وهذا يجده من نفسه كل داع كما يأتي إن شاء الله تعالى.
الثاني عشر: التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا: والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل.
الثالث عشر: الإشارة إليه حساً إلى العلو: كما أشار إليه من هو أعلم بربه، وبما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر، لما كان بالمجمع الأعظم الذي لم يجتمع لأحد مثله في اليوم الأعظم، في المكان الأعظم، قال لهم: (أنتم مسئولون عني، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع أصبعه الكريمة إلى السماء رافعاً لها إلى من هو فوقها وفوق كل شيء، قائلاً: اللهم اشهد) فكأنا نشاهد تلك الأصبع الكريمة وهي مرفوعة إلى الله، وذلك اللسان الكريم وهو يقول لما رفع أصبعه إليه: (اللهم اشهد) ، ونشهد أنه بلغ البلاغ المبين، وأدى رسالة ربه كما أُمر، ونصح أمته غاية النصيحة، فلا يحتاج مع بيانه وتبليغه وكشفه وإيضاحه إلى تنطع المتنطعين، وحذلقة المتحذلقين! والحمد لله رب العالمين.
الرابع عشر: التصريح بلفظ: (الأين) : كقول أعلم الخلق به، وأنصحهم لأمته، وأفصحهم بياناً عن المعنى الصحيح، بلفظ لا يوهم باطلاً بوجه: (أين الله؟) في غير موضع.
الخامس عشر: شهادته صلى الله عليه وسلم لمن قال: إن ربه في السماء.
بالإيمان.
السادس عشر: إخباره تعالى عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء؛ ليطلع إلى إله موسى، فيكذبه فيما أخبره من أنه سبحانه فوق السماوات، فقال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} [غافر:36-37] ، فمن نفى العلو من الجهمية فهو فرعوني، ومن أثبته فهو موسوي محمدي.
السابع عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم أنه تردد بين موسى عليه السلام وبين ربه ليلة المعراج؛ بسبب تخفيف الصلاة، فيصعد إلى ربه ثم يعود إلى موسى عدة مرار.
الثامن عشر: النصوص الدالة على رؤية أهل الجنة له تعالى من الكتاب والسنة، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه كرؤية الشمس والقمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، ولا يرونه إلا من فوقهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، ثم قرأ قوله تعالى: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58] ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم) رواه الإمام أحمد في المسند وغيره من حديث جابر رضي الله عنه] .
هذه -أيضاً- أنواع من الأدلة على علو الله وفوقيته، وكل نوع قد يكون تحته عدة أسرار، فمنها: النوع الحادي عشر: رفع الأيدي، وقد ورد في أكثر من ستين موضعاً أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه، وكذلك صرح بذلك في قوله: (إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) .
ولا شك أن الذي يرفع يديه إنما يرفعهما إلى الله؛ لأنه بذلك يستعطي ويستجدي ويسأل ويطلب، فلو لم يكن ربه فوقه لما رفع يديه، فهذا دليل على ذلك.