قال المؤلف رحمه الله: [قوله: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً) .
أي: أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفاً بصفات الكمال: صفات الذات، وصفات الفعل، ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص، ولا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده، ولا يرد على هذه صفات الفعل والصفات الاختيارية ونحوها، كالخلق والتصوير، والإحياء الإماتة، والقبض والبسط والطي، والاستواء، والإتيان والمجيء والنزول، والغضب والرضا، ونحو ذلك مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، وإن كنا لا ندرك كنهه وحقيقته التي هي تأويله، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، ولكن أصل معناه معلوم لنا، كما قال الإمام مالك رضي الله عنه، لما سئل عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2] ، كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.
وإن كانت هذه الأحوال تحدث في وقت دون وقت كما في حديث الشفاعة: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله) ؛ لأن هذا الحدوث بهذا الاعتبار غير ممتنع، ولا يطلق عليه أنه حدث بعد أن لم يكن، ألا ترى أن من تكلم اليوم وكان متكلماً بالأمس لا يقال: إنه حدث له الكلام، ولو كان غير متكلم لآفة كالصغر والخرس ثم تكلم يقال: حدث له الكلام، فالساكت لغير آفة يسمى: متكلماً بالقوة، بمعنى: أنه يتكلم إذا شاء، وفي حال تكلمه يسمى: متكلماً بالفعل، وكذلك الكاتب في حال الكتابة هو كاتب بالفعل، ولا يخرج عن كونه كاتباً في حال عدم مباشرته الكتابة.
وحلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم، لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة، وفيه إجمال، فإن أريد بالنفي أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء إذا شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل] .
في الكلام الأول ذكر الماتن رحمه الله: أن صفات الرب تعالى أزلية، وأنه موصوف بها في الأزل قبل أن تحدث الأفعال التي ظهرت بها، فيعتقد المسلمون أن الله سبحانه وتعالى قديم بصفاته، ويردون بذلك على النفاة الذين ينفون الصفات ويقولون: إنه إذا أثبتناها لزمنا تعدد القديم، وهذا اللازم باطل، فالله تعالى قديم بصفاته سواء الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية، ليس منها شيء متجدد بعد أن لم يكن، فصفاته الذاتية التي أخبر عنها كوجهه ويده والعين وما أشبه ذلك، هذه قديمة لم يحدث منها شيء.
أما صفات الفعل كالعلم والكلام والقدرة والإرادة والمحبة والبغض والكراهة وما أشبهها فهو موصوف بها أزلاً وإن لم تحدث أسبابها، يعني: وإن لم يحدث من يغضب عليه، فهو موصوف بأنه يغضب وبأنه يرضى قبل أن يوجد خلق يغضب عليه أو يرضى عنه، وهو موصوف بأنه يحب ويكره قبل أن يحدث الخلق الذين يحب منهم الصالحين ويكره أو يبغض غيرهم، وموصوف بأنه يعجب وبأنه يفرح وبأنه يضحك وبأنه يجيء وينزل وبأنه يستوي على العرش إلى غير ذلك من الصفات، فهو موصوف بذلك أزلاً قبل أن تحدث أسباب ذلك، هذه عقيدة أهل السنة.