(أول ما نستفتح المقالا ** بذِكرِ) ذِكرِ بكسر الذال لغةً كُلِّ مذكورٍ.

وشرعاً: قولٌ سيق للثناءِ أو الدعاء، وقد يُسْتَعْمل شرعًا لكل قول يثاب قائله عليه.

إذًا ذكر في البيت الأول أنه سيقدمُ ذكرَ حمدِ ربنا تعالى، يعني: سيحمد الله تعالى، وهل في البيت الأول حمدٌ أو لا؟ نقول: نعم فيه حمدِ لكنه من جهة تضمين أو التلويح لا التصريح، لماذا؟ لأنه أخبر أن رتبة الحمد مقدمةٌ على كلِّ شيء وهذا ثناء، إذا قلت بأن الله سبحانه وتعالى مقدمٌ حمده على حمدِ من سواه أنت أثنيت على الله عز وجل بأن جعلت حمده وثناؤه مقدمٌ على كل شيء، هذه شهادة وإخبار إذًا هو في نفسه ثناء، إذًا فيه ثناءُ حينئذٍ حَمِدَ أولاً ضمنًا، ثم نطق بما وعد به وصرح فقال:

فالحمدُ للهِ على ما أَنْعَمَا ... حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى

الفاء هذه تُسمى فاء الفصيحة فعيِلهَ من أفصح إذا أبان وأظهر، وهي الواقعة في جواب شرط مقدر، والتقدير حينئذٍ إذا أردت بيان الحمد الموعود بالاستفتاح به في البيت السابق (فالحمدُ للهِ) إذا أردت بيان الحمدِ الموعودِ به في البيت السابق، (فالحمدُ للهِ) إذا وفَّى بما وعَدَ به سابقًا (فالحمدُ)، الحمدُ أي الثناء على المحمودِ سبحانه مع حبه وتعظيمه، يذكرنه له تعريفات في اللغة وفي الاصطلاح وأكثرها فيه مطعن، لكن أحسن ما يقال الحمدُ هو الثناء على المحمودِ سبحانه مع حبه وتعظيمه وإجلاله، ابن القيم وابن تيمية رحمهم الله تعالى يقول: هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. حينئذٍ يشمل ماذا؟ يشمل الثناء في مقابل الصفات الذاتية، والثناء في مقابل الصفات الفعلية، لأن الحمد يكون في مقابل النعمة وغيرها، فيحمدُ الله - عز وجل - على اتصافه بصفةِ الكبرياء والعظمة هذه ليست صفة متعدية، ويحمدُ الربُّ جلّ وعلا على رحمته بالخلق وهذه صفةٌ متعدية، رحيمٌ بالمؤمنين رحيم حينئذٍ هذه الصفة متعدية على إحسانه على خَلْقِهِ ورَزْقِهِ، وهذه كلها صفات متعدية أفعال له جل وعلا، فيحمد على هذا ولا إشكال، ليس محل خلاف وإنما محل الخلاف هو النقد في الحدَّ المشهور أن الثناء يكون بسبب النعمة من حيثُ كونُهُ منعمًا على الحامد، هكذا قال هذا، وفيه نظر لأن الحمدَ أعم فيُحمَدُ من حيثُ كونُهُ منعمًا ومن حيثُ متصفًا بصفاتِ الجلال والكمال فهو أعم، فإذا قلت: ذكر محاسن المحمود. محاسن هذا يشمل النوعين، إذًا هذا التعريف أجود ذكر محاسن المحمود، أو الثناء على المحمود سبحانه مع حبه وتعظيمه وإجلاله، لأنك قد تذكر ثناء وأنت تكرهُهُ هذا في شأن المخلوق، هل كل من أثنيت عليه وبينت له محاسنَهُ تُكنُّ له المحبة؟ لا، وإلا أين المداهنة وأين النفاق، قد تُثني على شخص وأنت تكرهُهُ ولا تحبه،، أما الحمدُ في حقِّ الخالق فلا يكون حمدًا إلى مع المحبة والتعظيم والإجلال، لأنه عبادة والثناء محلُّهُ يكون في مقابلة نعمةٍ وغيرها فهو أعم من الشكر سببًا، الشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة، شكرتُ الله على إنعامه هذا خاص ولا إشكال فيه، وأما حمدتُ ربي هذا يكون على النوعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015