و (المقالا) هذا مصدر ميمي مقالا بألفي الإطلاق، يعني: طلاق الصوت، عتابا .. إلى آخره. أي القول، والمراد به القول لأنه مصدرٌ ميمي مقال مَفْعَلْ مَقْوَلْ هذا الأصل، أي: القول وهو اللفظُ الموضوعِ لمعنٍ خلافًا لمن أطلقه على المهمل هذا قولٌ، والصواب ما ذكرناه سابقًا أن القول خاص بالموضوع، وأما اللفظ فيعم الموضوع والمهمل، ويطلق على الرأي والاعتقاد مجازًا، والقولُ والمقالُ والمقالةُ مصادرُ لقالَ يقولُ، وأصلُ قَالَ قَوَلَ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفٌ، ويقالُ لما فشى من القول قالةً وقالاً وقيلاً، ويقال: أقْوَلتَنِي ما لم أقُلْ، وقوّلتني نسبته إليَّ، ورجلٌ مِقْوَلٌ ومقوالٌ وقوّالٌ كثيرُ القولِ ثرثار يعني، (أول ما نستفتحُ المقالا ** بذكرِ) عرفنا بذكر أنه خبر بناءً على أنّ الباء زائدة أو للتصوير حينئذٍ التقدير أول استفتاحنا القولَ ذِكْرُ أسقِطَ الباء، وإذا جعلناها للتصوير يكون الخبر هكذا أول استفتاحنا القولَ مصورٌ بذكر تأتي بكلمة مصوّر، مصوّر هي الخبر وليست بذكرِ إذا جعلنا الباء هنا للتصوير، بذكرِ هذا مضاف وحمدِ مضاف إليه، وحمدِ مضاف وربِّنا مضاف إليه، إذاً ثلاث كلمات متوالية بالإضافة وليس هذا بقادحٍ كما هو مرجَّح عند البيانيين، تتابُعِ الإضافة ليس بقادحٍ في بلاغةِ الكلام، وقد تأتي أربع أو خمس أو أكثر وهي كلُّها مضافة بعضها مضاف إلى بعض، وبعضهم جعل الأفصح أنه ثمَّ مضاف ومضاف إليه فحسب، وأما المضاف إليه فلا يضاف إلى ما يعده والصوابُ ما ذكرناه.
(بذكر حمدِ ربنا)، (ربِّنا) ربُّ من أسمائه تعالى ولا يُقالُ لغيرِه إلا مضافاً، ربُّ الدارِ أليس كذلك؟ نقول: هذا مضاف يجوز أن يُطلق على المخلوق؟ نعم أما الربُّ فهو اسمٌ من أسمائه جلّ وعلا.
(ربُّنا) المرادِ به المالك والسيِّد والمصلح والْمُرَبِّي، وإذا أطلق دخل فيه معنى الألوهية حينئذٍ يُفسرُ الرب بماذا؟ بالمعبود، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} يعني معبودُنا الله، إذاً يفسر الربُّ ليس بالمالك لأن {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [الأحقاف: 13] هل هذا يكفي؟ استقامة على ماذا؟ على أنه لا خالق إلا الله ولا مالك إلا الله ولا رازق إلا الله؟ ليس هذا المراد، وإنما لا يستغاث إلا بالله، ولا يتوجه بسائر العبادات إلا لله عز وجل، هذا هو المراد حينئذٍ دخل في معنى الرب معنى المعبود {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} يعني معبودنا الله.
إذًا (بذكر حمدِ ربِّنا)، (حمد ربِّنا) أي مالِكِنا ومعبودِنا. (تعالا) بمعنى تعاظم وارتفع، يرسمُ بالألِفِ لمناسبة قوله المقال خطًّا هكذا ذكره غيرُ واحد، يعني: تكتبها في البيت هنا خلاف ما كتبه هنا المحقق تكتب كالمقالا ألف منصوبة واقفة يعني، ولا تكتب على صورة الياء، وإن كان أصلحها الياء، ما كان أصله يكتب بصورة الياء تعاليت، إذاًَ أصله ألف هذه أصلها منقلبه عن ياء، أليس كذلك تعالى تعاليت، إذًا قُلبت الألف ياءً رجوعًا إلى الأصل، لكن لمناسبة المقالا تكتبُ بالألف.