إذًا سببُ الحمدِ أعم من سبب الشكرِ، وهذه تأتيك آيات {أَنِ اشْكُرْ لِي} يعني لا بد أن تعرف ما معنى الشكر تقرأ الفاتحة سبعة عشر مرّة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ويش الحمد هذا؟ إذا ما تعرف مشكلة، أليس كذلك؟ فالحمدُ يكونُ في مقابلة نعمة وغيرها، فهو أعمّ من الشكر سببًا لأنه يُحمد على كل شيء جل وعلا، على كل شيء يحمد، يُثْنَى عليه لأن الثناء يكون باللسان، حينئذٍ يُثْنَى على الرب جلّ وعلا لذاته وصفاته وأحكامه الشرعية والقدرية، لذاته وهذه التي قلنا: محل نزاع مع أصحاب التصنيف، لذاته وصفاته يشمل النوعين متعدية والقاصرة، وأحكامه الشرعية والقدرية، والحمدُ أخص متعلقًا من الشكر، لأن الشكر لا يكون إلا في مقابلة نعمة فهو أخص، والشكر أعمُّ مُتَعَلِّقًا، أي: موردًا لأنه يكون باللسان واليد والقلب.
أفادتكم النعماءُ مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
أليس كذلك؟ يدي ولساني والضمير المحجبا، إذًا محل الشكر الأركان كلها القلب واللسان والجوارح، ومحل الحمد بماذا يكون، مورده بأي شيء؟ يكون باللسان فقط. وهذا على القول قول جمهور أهل العلم أن ثَمَّ فرقًا بين الحمد والشكر، وبعضهم يرى أنهما مترادفان وهذا ضعيف، وأظنه اختاره ابن جرير الطبري لكنه ضعيف، والأصح أنه فرق بينهما. (فالحمدُ للهِ) أل هذه للاستغراق وعليه الجمهور جمهور أهل العلم، أو للجنس وعليه الزمخشري، أو للعهد وعليه ابن النحاس والأشهر الأول أنها للاستغراق، وأما قول الزمخشري أنها للجنس وقول ابن النحاس أنها للعهد هذا فيه كلام.
(فالحمدُ للهِ) اللام هذه للاختصاص، إذًا الحمد يكون لله عز وجل وهو الثناء أو الوصف بالجميل - كما قال المصنف هنا أو الشارح - ثابتٌ لله، وكلٌّ من صفاته تعالى جميل وهو وصفٌ لله تعالى بجميع صفاته، (على ما أَنْعَمَا)، (على) هذه تعليلية، الحمد لله لماذا؟ لإنعامه {وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (?)، أليس كذلك؟ يعني: لهدايته إياكم، حينئذٍ تكون على للتعليل بمنزلة اللام، على تعليلية، وما مصدرية، يعني مثل أن مصدرية، وهي محل خلاف هل هي حرف أم اسم؟ والصواب أنها حرف، وما مصدرية فهو موصولٌ حرفي لا موصولٌ اسمي، ما هنا بعضهم قال أنها موصولٌ اسمي، وقدر حينئذٍ العائد، لأنه لا بد عائد (ما أنعم به) وهذا فيه إشكال سيأتي، والأصح أن ما هنا تكون مصدرية فحسب، ولا يجوز أن تكون اسمية لأنك إذا جعلتها اسمية لا بد من عائد، أين العائد؟ لا بد من ضمير (على ما أَنْعَمَا) أنعما به يعود على ما، إذاَ حُذِفَ العائد، ما هو شرط حذفِ العائد؟ إذا دخل عليه حرفُ جرّ وكان هو عينَ الحرف الذي دخل على الاسم الموصول، وهنا على ما، على الذي دخلت على ما ثم قال: (بِهِ). حذف الضمير، لا يجوز حذف الضمير مع اختلاف الحرف بل لو اتحدا لفظًا واختلفا معنىً لا يجوز.
كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرّ ... كمُرَّ بالذي مررتُ فهو برْ