(علمًا بأن العلم)، (بأن العلم) جار ومجرور متعلق بقوله: (عِلْمًا) لأنه مصدر، (علمًا بأن العلم) أي علم، [ها] الفرائض أو العلم الشرعي؟ العلم الشرعي، مراده العلم الشرعي عام، سواء كان علم التفسير، أو علم الحديث أو علم الفقه، لأنه أراد أن يثني على العلم على جهة العموم، ثم يخصص فقال: وأن هذا العلم مخصوصٌ بما قد شاع. إذًا ذكر العلم أولاً على الجهة العموم، ثم خصَّ علم الفرائض على جهة الخصوص (عِلْمًا بَأَنَّ الْعِلْمَ) والعلم هو فسره الشارح وهذا بعيد أن يفسر العلم هنا بحكم الذهن الجازم المطابق للواقع، هذا للعلم من حيثُ هو إذا كان مقابلاً للظن والشك ونحو ذلك، وأما العلم المرادُ به هنا العلم الشرعي علم الكتاب والسنة (علمًا بأن العلم) فأل حينئذٍ تكون للعهد الذهني، إذ الذي خيرُ ما سعي له العبدُ ودعى العبدُ غيره للسعي في طلب العلم هو العلم الشرعي العلم، إذ العلم إذا أُطلق وأثني عليه من جهة الإطلاق انصرف إلى العلم الشرعي.
(عِلْمًا بَأَنَّ الْعِلْمَ خَيْرُ مَا سُعِيْ) ولذلك قال هنا والألف واللامُ فيه للاستغراق أو العهد الشرعي، وهذه أو مرة تمر علينا هذا اللفظ العهد الشرعي، أليس كذلك؟ العلم أل للعهد الذهني، ما هو المعهود؟ العلم الشرعي حينئذٍ قد يكون المعهود إمّا ثابتًا من جهة الحس، وإما ثابتًا من جهة العقل، وإما ثابتًا من جهة الشرع، وهذا يعتبر مثال للشرع. أو العهد الشرعي وهو علم التفسير والحديث الفقه، ويلحق ذلك ما كان آلةً له، فالعلم كما قال الناظم هنا (خيرُ ما سُعي ** فيه) خيرُ هذا خبر أنَّ، بأن العلم أن العلم، هذا اسمُ أنَّ، خبرها خيرُ، يعني أفضل، و (خَيْر) هذه أفعلْ تفضيل، فالخيرية ثابتةٌ للعلم الشرعي بإطلاق ليست من وجه دون وجه كما هو الشأن في العلوم الأخرى، العلوم الاصطناعية الدنيوية، حتى علوم الآلة هذه فيها خيرية من جهة دون جهة، كل ما أعان على فهم الكتاب والسنة فهو الذي يعتبر علمًا شرعيًّا، سواءً كان مقصودًا لذاته أو كان مقصودًا لغيره، فما زاد عن ذلك من العلم المقصود لغيره حينئذٍ لا تكون الخيرةُ ثابتة فيه بإطلاق، واضحٌ؟ إذًا (خيرُ ما سُعي) هنا أطلق الناظم الخيرية فدل على أنه المراد به العلم الشرعي، وما يخدمه يعني من علوم الآلة، (خيرُ) هذا خبر وهو مضاف و (ما) اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه، و (سعي) هذا مبني لِمَا لم يسمَّ فاعله، و (فيه) جار ومجرور متعلق بمحذوف، إيش إعراب (فيه)؟ (سُعِي) [نعم] يعتبر نائبُ فاعل والضمير في (فيه) عائدٌ على (ما)، وجملة (سُعي ** فيه) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. إذًا العلمُ خيرٌ وأفضلُ ما سعى فيه العبدُ، يعنى طرق الطريق من أجل الوصول إلى هذا العمل، فكل سَعْيٍ موصل للعلم فهو خيرٌ لأنه موصل لأصل وثبت فيه الخيرية المطلقة، [فالوسائل لها أحكام المقاصد].