(وَأَوْلَى مَا لَهُ الْعَبْدُ دُعِيْ)، وأولى هذا معطوف على (خَيْرُ)، فالمراد به الأحق والأجدر أولى الأحق والأجدر ما له الذي له لهذا العلم العبدُ أي الشخص فليس مراد العبدُ مقابل الحرّ المراد به الشخص، (دُعي) هذا مغير الصيغة مبني لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، وبين (دُعي) و (سُعي) هذا جناس يسمى ماذا؟ يسمى جناسًا.
قال هنا: فالعلمُ من خير ما سُعي فيه ومن أولى ما له العبدُ دُعي
قال اللهُ تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. هنا أطلق العلم وأثنى على أصحابه فدل على أنه يُثْنَى عليه مطلقًا بدون تخصيص وبدون تقييد، ولا يصرفُ هذا العلم من حيثُ الإطلاقِ إلا على علم الكتاب والسنة فحسب، وما عداه فلا، وإنما يكون له حكم المقاصد، يعني العلوم الدنيوية الحساب والطب والهندسة ونحوها هذه ليست محمودة لذاتها، وإنما هي مباحة في الأصل فإن أُريد بها بنية صاحبها خدمة الإسلام مثلاً وكفّ المسلمين بالنظرِ إلى غيرهم ونحو ذلك أُثيب على هذه النية، وأمّا العلم نفسه فلا ينقلبُ شرعيًّا يبقى كما هو كما ذكرناه في شأن ماذا؟ في شأن المباح. المباح لا ينقلبُ مستحبًا نفسُهُ، وإنما بنيته نقول: حينئذٍ لما نوى بنومه التقوى على الطاعة وعلى قيام الليل مثلاً يُثابُ على هذه النية، وإما النوم نفسه لا يكون عبادة، لأن العبادات توقيفية لا بد من دليل، أين الدليل في إثبات كون النوم أو الأكل أو الشرب أو نحو ذلك أنه عبادة في نفسه. نقول: لا، هو يبقى على ما هو مباح. وإنما أحتسب نومَي وقومَي وأكلتي وشربتي، نقول: هذه كلها المراد بها الثواب على النية. هكذا يفسر كلام الأصوليين أن المراد بأن المباح يبقى على كونه مباحًا ولا ينقلبُ المباح فيصيرُ طاعةً، النومُ مباح في الأصل ولا ينقلبُ عبادةً، وإنما العبادة في كونه يستعين به وحينئذٍ الاستعانة والنية تكون محلها القلب.
والأحاديث في فضائل العلم كثيرة شهيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ أتاهُ الله مالاً فسلطهُ على هلكتِهِ في الخير، ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها للناس». والحكمة المراد بها هنا السنة، وهو العلم الشرعي على جهة العموم. رواه البخاري من حديث ابن مسعود.
ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة». انظر «من سلك»، «من» شرطية وهي عامة، وهذا يدخل في حتى العوام وليس الحكم خاصًّا بطلاب العلم، لا، هذه الفضائل التي وردت في شأن العلم كُلّ من سأل أو كل من بذل أو سلك فهي عامة، حينئذٍ كلُّ شخصٍ وُجدَ منه شيء من هذا الوصف الذي رُتِّبَ عليه هذا الثواب حينئذٍ استحق هذا الثواب بحدِّهِ، حينئذٍ الثواب يتبعض كما أن ما توقف عليه الثواب يتبعض، العلم يتبعض، أليس كذلك؟ العلم يتبعض أو لا؟
لا إله إلا الله، يتبعض أو لا؟ يتجزأ أو لا؟