(من سرّه) يعني أفرحه (أن يقتحم جراثيم جهنم) الاقتحام هو الدخول، والجراثيم أصول جهم ومعظمها جمع جرثومة بمعنى الأصل والمعظم ... (فليقض بين الجد والإخوة) والمراد التنفير من التكلم في الجد والإخوة، وإلا فلا يفرح أحد بدخول أصول جهنم هكذا قاله البيجوري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه كذلك جملة فيها نوع ترهيب لمن أراد أن يقبل على فتوى في مثل هذا المقام: (سلونا عن عُضلكم) يعني عن مشكلاتكم الأمور المشكلة العظام اسألوا عنها ولا إشكال في ذلك (سلونا عن عُضَلِكُم) يعني عن مشكلات أموركم، جمع عضلة كغرفة وغرف عُضُل (واتركونا من الجدِّ) يعني لا تسألونا عن مسائل الجد، ليس مطلقًا الجد إنما إذا كان مجتمعًا مع الإخوة، أما لكونه منفردًا هذا لا إشكال فيه، بل محل إجماع كما سبق (اتركونا من الجدِّ لا حيّاه ولا بيّاه) لا ملّكه ولا اعتمده بالتحية. يقال حيّاك الله أي ملكك من التحية وهي المُلك أو المِلك، ومنه التحيات لله. يعني المُلك لله، وبياك الله: اعتمدك. وكذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه لما طعنه أبو لؤلؤة وحضرته الوفاة قال: أحفظوا عني ثلاثة: لا أقول في الجد شيئًا يعني في إرث الجد مع الإخوة (لا أقول فيه شيئًا - يوثق فيه - وإلا له قول في هذه المسألة، وقد رُوِيَ عنه أقوال (ولا أقول في كلالة شيئًا، ولا أُوَلِّي عليكم أحدًا). إذًا هذه الأقوال مأثورة عن السلف ومحلها قبل استقرار المذاهب ومعرفة الأدلة والنظر فيها، يعني كانت السنن متفرقة قد يكون ذاك الذي لم يكن حاضرًا قد يحفظ بعض السنن والمرويات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يكن عالمًا بها من يفتي، حينئذٍ احتياطًا أن يقف حتى يتضح الأمر وتظهر المسألة، لكن بعد جمع السنن وبيانها والحكم عليها ومعرفة الأقوال وأدلتها وما من مسألة إلا وقد مُحصت وفحصت إلى آخره فينظر الناظر ولا يهاب ولا تحجبه هذه الأقوال وإنما لها وقتها ولها زمنها. يعني لا يستدل بها في مثل هذه الأوضاع، وكذلك بعض الجمل عن السلف قد تكون لها حالٌ يختص بذلك الزمان أو بذلك المكان المعين حينئذٍ لا تستعمل في كل زمان وفي كل مكان فلينتبه لهذا.
إذا تقرر ذلك قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْجَدَّ ذُو أَحْوَالِ ... أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ عَلَى التَّوَالِي