قال الشيخ زكريا رحمه الله تعالى: الاجتهادُ والتحري والتأخي بذلُ المجهودِ في طلبِ المقصود. إذًا إذا لم يبذل مجهود لا يقالُ أنه توخى، ولذلك يقال: اجتهد. وهذا يذكره الأصوليون اجتهد في حمل الصخرة، زلا يقال: اجتهد في حمل نواة، صحيح؟ اجتهد في حمل الصخرة لأنه بذل مجهود تعب وشقِّ عليه، أما النواة هذه لا يقال فيها اجتهد، وإنما يقال: حَمَلَ النواة، إذًا يقال: اجتهد. في حمل الصخرة ولا يقال: اجتهد. في حمل نواةِ وذكر أبو عبيد أن التآخي لا يكون إلا في الخير. ولعل هذا سببٌ في تخصيص الناظم التوخي بالذكرِ هنا دون التحري، وقيل: التوخي هنا الاجتهادُ لا القصدُ فقط، يعني إما أن يعمَّمَ بمعنى القصدِ والاجتهاد، أو يقال الاجتهادُ فقط، أما أن يجعل بمعنى القصد فليس الأمر كذلك، فإن التوخي بمعنى الاجتهاد لا يقال إلا في الأمرِ المهم الجليل من الخير بخلاف التوخي بمعنى القصد فإنه يقال لِمَا هو أعمُّ من ذلك، إذا التوخي بمعنى القصد عام يقالُ في الأمرِ المهم الجلل وفيم هو دونه، وأما التوخي بمعنى الاجتهاد فهو خاصٌ بالأمرِ الجلل كما ذكرناه، اجتهد في حمل الصخرة ولا يقال اجتهد في حمل النواة.
إذًا قوله: (فيما توخينا) أي على الذي توخيناهُ، جئنا بعلى مكان في للدلالة على أن في هنا ليست على بابها وإنما هي بمعنى على، والذي دلنا على ذلك أنّ في متعلق بقوله الإعانة، يعني معمولٌ له، والإعانة مادةٌ من العون لأنه مصدر، حينئذٍ هذا في استعمال كلام العرب والنظر فيه إنما يتعدّى بعلى ولا يتعدى بفي، حينئذٍ لا بدّ من القول بتضمين الحرف معنى حرفٍ آخر، ففي بمعنى على لأن الإعانة تتعدى بعلى، و (ما) اسم موصول بمعنى الذي والعائدُ محذوف. (فيما توخينا من الإبانة) الإبانة، يقال في تصريفه ما قيل في الإعانة يعني مصدر أبان يُبِينُ إبانةً أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا، مثل أَقَامَ يُقِيمُ إِقَامَةً، والخلافُ مذكور في كتب الصرف، والإبانة المرادُ به هنا الإظهار لأنه مأخوذُ من بأن يبين إذا أظهر الشيء وكشفهُ وبين حقيقته، يقال فيه: إبانة. وهذا واضحٌ بيِّن إذِ الذي أراد أن يصنف فيه وهو علمُ الفرائض هذا يحتاج إلى كشف ويحتاج إلى إظهار ويحتاج إلى إبانة (من الإبانة) هذا متعلق بمحذوف بيانٌ لِمَا فيما الذي يصدق على ماذا؟ ما الذي توخّاهُ واجتهد فيه وقصد بيانه ما هو؟
(الإبانة). ما الذي توخاهُ؟ نقول: هو الإبانة حينئذٍ تكون مِنْ هذه بيانية والمبين هو