أما حكمه منفردًا عنهم وحكمهم منفردين عنه فقد تقدم في باب الثلث وباب السدس. ومسألة الجد والإخوة هذه مما - كما قال الشارح هنا - في حال كونهما مجتمعين لم يرد فيه شيء من كتاب ولا من سنة، يعني لم يرد نص تنصيص على أن الجد يرث مع الإخوة، أو أنه لا يرث، وإنما من أثبت أو نفى فالنظر يكون في الكتاب والسنة من حيث الاستنباط لا من حيث النص، لأنه كما سبق معنا أن دلالة النص على الحكم قد يكون بالتنصيص على الشيء نصًّا، وقد يكون بالظاهر، وقد يكون بالمنطوق، وقد يكون بالمفهوم. هل في مسألة الجد والإخوة المجتمعين نص بمعنى تعيين في الحكم الشرعي بأنهم يرثون أو لا يرثون؟ في الظاهر لا، وإنما يُنظر في النصوص على أصولها، إما أنها قواعد عامة فتعمم فتدخل هذه المسألة تحتها، وإما أنها استنباطات أو اجتهادات قد تخالف النصوص الواردة في الكتاب والسنة كما هو شأن القول الآخر، ولذلك قال الشارح كغيره من أهل العلم في هذا الموضع: وإنما ثبت حكمهم باجتهاد الصحابة رضي الله تعالى عنهم. حينئذٍ افترقوا إلى فريقين فمذهب الإمام أبي بكر الصديق الخليفة الراشد أمير المؤمنين، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجماعة من الصحابة والتابعين كابن الزبير من الصحابة وعبادة بن الصامت وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين وكشريح وعطاء وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وطاووس إلى غير ذلك من جماهير السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، ذهبوا أن الجد كالأب فهو نازلٌ مُنَزَّلَته وكما أن الأب يحجب الإخوة كذلك الجد فيحجب الإخوة مطلقًا، الأب كما سبق أنه يحجب الإخوة مطلقًا سواء كانوا أشقاء أو وكانوا لأب أو كانوا لأم، وهذا محل وفاق، أن الأب يحجب الإخوة مطلقًا دون تفصيل، وهذا القول الأول المنسوب لأبي بكر رضي الله تعالى عنه تبعه سائر الصحابة أن الجد كالأب حينئذٍ يحجب الجد الإخوة مطلقًا سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم كما يحجبهم الأب، وعليه سقط هذا الباب من أصله فلا نظر فيه. فيحجب الإخوة مطلقًا وهذا هو المُفتى به عند الحنفية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أخذ بها بعض أصحابه كابن تيمية وابن القيم، ابن القيم أطال في إعلام الموقعين في ترجيح هذا القول في أكثر من عشرين وجهًا. قال صاحب ((الفروع)): وهو أظهر. يعني هذه الرواية أظهر. أو هذا القول أظهر يعني من حيث الدليل ومن حيث النظر، وصوّبه في ((الإنصاف)) وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعليه الفتوى عند أحفاده، وكذلك اختيار الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمةُ الله تعالى على الجميع.

إذًا القول الأول أن الجد كالأب حينئذٍ لا إشكال في كونه يحجب الإخوة مطلقًا، فلا فرق في كون الجد يحجب الإخوة لأم، وأما الإخوة الأشقاء أو لأب فيرثون معهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015