والمذهب الثاني: وهو مذهب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما أنهم يرثون معه، يعني الجد لا يحجب الإخوة الأشقاء ولا الإخوة لأب، وذكر المصنف هنا ثلاثة وهم من مشاهير من ورَّث الجد مع الإخوة، أو الإخوة مع الجد ولكن لكل واحدٍ منهم مذهب خاص يختلف عن الآخر، فعليٌّ رضي الله تعالى عنه ورّث الإخوة مع الجد ولكن له طريقة خاصة في كيفية التوريث، وزيد بن ثابت رضي الله عنه كذلك ورّث الإخوة الأشقاء والإخوة لأب مع الجد ولكن له كيفية خاصة وهي المشهورة عند الفقهاء، وابن مسعود كذلك له طريقة خاصة في توريث الإخوة مع الجد وهي مخالفة لطريقة علي وطريقة زيد بن ثابت، هذا الاختلاف وإن كان مبناه على الاجتهاد إلا أنه يدل على ضعف هذا القول. إذ لو كان الإخوة يرثون مع الجد حينئذٍ لما اختلفت الكيفية لأن مرده إلى الشرع من حيث الاستنباط، والشرع لا يختلف حيث يورّث على طريقة في مذهب معيّن، ثم بعد ذلك يناقض تلك الطريقة في مذهب آخر نقول: الحق واحد ولا يتعدد، إما مذهب زيد، وإما مذهب علي، وإما مذهب ابن مسعود وحينئذٍ لابد من النظر والترجيح.
إذًا هؤلاء الأئمة الثلاثة ذهبوا إلى توريث الإخوة مع الجد، وهو مذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة كما سبق أن القول الأول مذهب المفتى به عند الحنيفة، بقي المالكية والشافعية والحنابلة وهم على توريث الإخوة مع الجد، يعني ذهبوا إلى أن الراجح من هذين القولين في هذه المسألة أن الإخوة يرثون مع الجد، وأن الجد لا يحجب الإخوة، ولهم أدلة ولا يكاد أن يذكر فيها إلا وجوه استنباط فحسب، التشبيه بالنهر ... إلى آخره سنعرض عنها ونرجئها فيما يأتي. وأصح القولين والله أعلم أن الجد يحجب الإخوة مطلقًا دون تفصيل فلا استثناء للإخوة الأشقاء ولا لأب بأدلة منها:
أولاً: أن الله تعالى قد سمى الجد أبًا في قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78]. فسماه أبًا وهو جد قطعًا وجدٌّ أعلى، وحينئذٍ نقول: الأصل في الإطلاق الحقيقة، ولا ندعي المجاز إلا بقرينة واضحة وليس ثَمَّ هنا قرينة واضحة فلا مجاز، ويبقى الأصل على ظاهره فالجد يسمى أبًا كذلك قال يوسف - عليه السلام - {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] كذلك أطلق على جده أو أجداده بأنهم آباء، والأصل في الإطلاق الحقيقة فلا ينصرف إلى المجاز إلا بقرينة ولا قرينة، وكذلك جاء «هذا أبوك آدم». كما جاء في حديث المعراج سماه أبًّا وهو جدّ قطعًا وجد أعلى أيضًا، بل هو أعلى جد لا بعده من الجدود البتة، حينئذٍ سماه أبًا والأصل في الإطلاق هو الحقيقة. إذًا سمى الله عز وجل الجد أبًّا حينئذٍ كل ما عُلِّق الحكم على لفظ الأب دخل فيه الجد، ولا انفصال إلا بدليل واضح بيِّن، حينئذٍ يحجب الإخوة كالأب الحقيقي المباشر.