إذًا المبعض من كان بعضه حرًّا وبعضه الآخر مملوكًا مجزء، فالرق مانع بجميع أنواعه إلا المبعض على المذهب، فلا يرث الرقيق بجميع أنواعه لأنه لو ورث لكان لسيده وهو أجنبي من الميت، يعني لو ورث هذا الرقيق من أبيه مثلاً أين يذهب هذا المال؟ لسيده، إذًا كأن السيد هو الذي ورث ذلك الأب وهو أجنبي عنه، لم يوجد فيه سبب من أسباب الإرث، فلما كان في الحقيقة ونفس الأمر أن الملك هذا المال الذي حصله الرقيق بموت أبيه ينتقل إلى سيده مباشرة، لأن تصرفه غير نافذ ولا يملك، حينئذٍ كأنه قد ورث ذلك الأجنبي من ذلك الأب، ولذلك منع أهل العلم أن يكون الرقيق وارثًا لمورثه، حينئذٍ صار هذا الوصف مانعًا، لماذا؟ لئلا يرث الأجنبي بغير سبب من أسباب الإرث، لأنه لو ملكه لو ورث العبد لكان لسيده وهو أجنبي من الميت، ولا يورث هو لأنه لا ملك له، يعني لو مات عبدوا عنده ابن حرّ مثلاً هل يرث ذلك الابن أباه الرقيق؟
الجواب: لا، لماذا؟ للعلة السابقة لأنه لا يملك شيئًا، ولا يورث لأنه لا ملك له، لو ملّكه سيده، لو قال له سيده: هذا المال لك فلا يملكه في نفي الأمر، بل هو عائد إلى سيده، لكن المبعّض هذا في المذهب يَرِث ويُورَث ويحجب على حسب ما فيه من الحرية عند الحنابلة، وهو الصحيح، أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية، ويُمنع بقدر ما فيه من الرق، فيعامل جزءه الحر بحكم الأحرار، وجزءه الرقيق بحكم الأرقاء، فيرث بقدر جزءه الحر ويورث عنه ما وَرثه بذلك الجزء، وهذا هو الذي يناسب الأصول السابقة.
إذًا الرقيق لا يرث ولا يورث إلا إذا كان مبعضًا وجزءه الحر حينئذٍ يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من باع عبدًا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع». هذا نص واضح بيّن بأن العبد لا يملك شيئًا «من باع عبدًا». من: شخص، باع عبدًا له، له مال: يعني في يده مال في يد العبد مال لمن يكون؟ قال: فماله للبائع: لسيده إلا أن يشترطه المبتاع، من؟ المشتري إذا اشترطه فحينئذٍ المسلمون على شروطهم وإلا الأصل أن يكون للسيد، ولأن السيد أحق بكسبه ومنافعه في حياته وكذا بعد مماته.
والرّق حق لله تعالى ابتداءً يثبت جزاءً على الكفر به، ولذلك لا يثبت على المسلم ابتداءً، الرق سببه الكفر كما ذكرناه سابقًا، فابتداءه يكون بسبب الكفر. إذًا هل يكون المسلم رقيقًا؟ الجواب: لا، ولذلك الفقهاء يذكرون مسألة ـ لو أغتصب حرّ فيبيع على أنه عبد لا تثبت له الأحكام التي ثبتت للرقيق، لأنه باعتبار الأصل لا يكون المسلم رقيقًا، لماذا؟ لأن سبب الرق محصور في شيء واحد وهو الكفر، جعله الله تعالى ابتداءً على الكافر عقوبة له وجزاء، ثم صار حقًا للسيد بقاءً بمعنى أن الشارع جعله مِلكًا بغير نظر إلى معنى الجزاء والعقوبة، لأنه إذا أسلم العبد بقي الرق كما هو، هل نقول الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، لَمَّا كان كفرًا حينئذٍ سُبِيَ صار رقيقًا، ثم إذا أسلم زال الوصف؟ نقولُ: لا، وهذا للشرع أن يفعل ما شاء، أن يجعل الحكم مقيدًا بسبب، ثم يزول السبب ويبقى الحكم مشرعًا، وهذا له نظائر كثيرة في مسائل شرعية، حتى أنه يبقى رقيقًا وإن أسلم، هذا هو المانع الأول.