وَقَوله {من علق} :
أَي من طين أَي يعلق بالكف، ثمَّ أكد الْأَمر بِالْقِرَاءَةِ فكرره فِي مُقَابلَة قَوْله: " مَا أَنا بقارئ " مرَارًا، أَي اقْرَأ وَأَن كنت أُمِّيا، وَكَيف تستبعد الْقِرَاءَة وَرَبك الأكرم الَّذِي علم النَّاس الْكِتَابَة بالقلم.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو الْقَاسِم:
" الأكرم الَّذِي لَهُ الْكَمَال فِي زِيَادَة كرمه على كل كرم، ينعم على عباده النعم الَّتِي لَا تحصى، ويحلم عَنْهُم فَلَا يعاجلهم بالعقوبة مَعَ كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهي واطراحهم الْأَوَامِر، وَيقبل تَوْبَتهمْ ويتجاوز عَنْهُم بعد اقتراف العظائم، فَمَا لكرمه غَايَة وَلَا أمد، وَكَأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاء التكرم بإفادة الْفَوَائِد العلمية تكرم حَيْثُ قَالَ: {الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} ، فَدلَّ على كَمَال كرمه بِأَنَّهُ علم عباده مَا لم يعلمُوا، ونقلهم من ظلمَة الْجَهْل إِلَى نور الْعلم، وَنبهَ على فضل علم الْكِتَابَة لما فِيهِ من الْمَنَافِع الْعَظِيمَة الَّتِي لَا يُحِيط بهَا إِلَّا هُوَ، وَمَا دونت الْعُلُوم وَلَا قيدت الحكم وَلَا ضبطت أَخْبَار الْأَوَّلين ومقالاتهم وَلَا كتب الله الْمنزلَة إِلَّا بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْلَا هِيَ لما استقامت أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا، وَلَو لم يكن على دَقِيق حِكْمَة الله ولطيف تَدْبيره دَلِيل إِلَّا أَمر الْقَلَم والخط لكفى بِهِ ".