فَإِن كَانَ الْمَحْذُوف هُوَ الأول صَار كَقَوْلِك: أَعْطَيْت مَالا وَلَا تذكر الْمُعْطى.
وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الأول الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ من لم يسمه فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنه يُعْطي مَا لَا تسخو بِهِ نفس غَيره، فتقديره على هَذَا: تُعْطِي النَّاس الْمَعْدُوم، وَفِي مَعْنَاهُ الْوَجْه الَّذِي ذكره الْهَرَوِيّ لِأَن مَعْنَاهُ تكسب نَفسك الْأَشْيَاء المعدومة لغيرك أَي تستفيد مَا لَا يستفيده غَيْرك.
وَيجوز أَن يكون هَذَا الْفِعْل يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا إِلَى وَاحِد وَإِلَى اثْنَيْنِ، وَهَذَا سَائِغ فِي أَلْسِنَة النَّاس يَقُولُونَ لما قل نَظِيره مَعَ نفاسته: مَا هَذَا إِلَّا مَعْدُوم، بِمَعْنى أَنه مَعْدُوم النظير أَو أَنه لم يزل فِي حيّز الْعَدَم إِلَى أَن ظفر بِهِ الْآن مُبَالغَة فِي غرابته.
وَإِن كَانَ الْمَحْذُوف هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي فَيكون كَقَوْلِك: أَعْطَيْت زيدا وَلَا تذكر مَا أَعْطيته، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الْحَافِظ إِسْمَاعِيل، أَي تُعْطِي الْمَعْدُوم مَا يصير بِهِ مَوْجُودا.
وَأما الْوَجْه الَّذِي حَكَاهُ عَن وَالِده فحقيقة أَنَّك كسبت آجر الْمَعْدُوم وثوابه ومودته، فَإِن عين الرجل الضَّعِيف لَا يكْسب إِلَّا أَن يكون حَرْبِيّا فيغنم، ثمَّ يقدر الْمَفْعُول الأول محذوفا كَمَا قدرناه فِي الْوَجْه الَّذِي ذكره الْهَرَوِيّ، أَي تكسب نَفسك الْمَعْدُوم أَي ثَوَابه ومودته، فاحتيج هُنَا إِلَى إضمارين إِلَّا أَنه قد اتَّسع فِي حذف الْمَفْعُول الأول فِي بَاب " كسب " إِذا