قوله: (لأولى رجل ذكر) معلوم أن الرجل هو الذكر والذكر هو الرجل، فلماذا جاء ذكر الذكر مع ذكر الرجل؟ علل العلماء بتعليلات متعددة، ولكن يبدو أن أقربها هو: أن الرجل عندما يذكر فإنه يتبادر الذهن إلى نجدته وقوته ونصرته وأنه رجل؛ لأن الصغير لا يقال له: رجل، وإنما يقال له: ذكر، فلما كان الأمر لا يختص بأصحاب النجدات والإعانات والنصرة والقوة والدفاع عن الميت لكونه عنده قدرة على ذلك وإنما الأمر يتعلق فقط بالإرث، أضاف إلى ذلك شيئاً يبين أنه ليس الأمر خاصاً بمن يوصف بأنه رجل وهو الذي عنده قوة وعنده شدة وعنده إعانة.
فإذاً: جاء ذكر الذكر بعد ذكر الرجل ليبين أن الأمر لا يختص بالرجال وإنما هو بالذكور الذين يقابلون الإناث.
ولهذا جاء في ميراث الأبناء إذا اجتمعوا مع البنات مع أخواتهم والإخوة إذا اجتمعوا مع أخواتهم قوله عز وجل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]؛ لأن الذكر يقابل الأنثى والرجل يقابل المرأة، والمرأة غالباً تطلق على الكبيرة والرجل يطلق على الكبير، والأمر لا يختص بالرجال والنساء الكبار وإنما هو للذكور، فيستوي في ذلك من بلغ عمره مائة سنة ومن عمره سنة أو أقل من سنة، فما دام أنهم أبناء للميت أو إخوة للميت أشقاء أو لأب فإنهم يتساوون في الميراث لا يفرق بين كبير وصغير، بل ذلك منوط بالذكورة والأنوثة، ولهذا قال عز وجل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] فيما يتعلق بميراث الأبناء، وجاء في الإخوة الأشقاء في آخر سورة النساء: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176]، يعني: أن الذكور لهم ضعف الإناث سواء كان الذكور كباراً أو صغاراً، وسواء كانت الإناث كباراً أو صغاراً.
وعلى هذا فهذا الحديث إذا ضم إلى آيات المواريث وإلى ما جاءت به السنة من أحاديث تبين بعض أنواع المواريث مثل ما ذكرنا في مسألة الشقيقة مع البنت أو البنتين فإنها تكون مقدمة على الإخوة لأب، ولا يقال: إن قوله: (لأولى رجل ذكر) بأن أولى رجل ذكر الذي يستقل عن الأنثى هو الذي لا يفرد فيه إلا الأنثى لو انفردت، كأبناء الإخوة الأشقاء وأبناء الإخوة لأب وكذلك الأعمام وأبناء الأعمام فإن الذكور هم الذين يستقلون بالميراث.