قوله: (فلأولى رجل ذكر) أولى بمعنى أقرب، وهذا مأخوذ من قول: فلان يلي فلاناً، يعني: أنه بعده، ويليه مباشرة، وليس بمعنى أنه أحق رجل ذكر، وإنما هو أولى وأقرب رجل ذكر إلى الميت.
وعلى هذا فإذا ترك الميت أبناء إخوة أشقاء وأبناء إخوة لأب وأعمام وأبناء الأعمام فإن أقربهم الإخوة الأشقاء إذا كانوا موجودين فيحوزون الميراث ويستقلون به إذا كانوا منفردين، وإن كان معهم أصحاب فروض أخذوا ما أبقت الفروض، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر).
إذاً: فأقرب هؤلاء الأربعة الأصناف هم الإخوة الأشقاء؛ وقدموا على الإخوة لأب؛ لأن عندهم سببين: سبب القرابة من جهة الأم، وسبب القرابة من جهة الأب، فالجهة واحدة وهي جهة الإخوة.
وأما إذا وجد إخوة لأب وأعمام فإن الإخوة لأب أولى من الأعمام؛ لأن الأخ لأب يدلي إلى الميت بأبيه، وأما العم فيدلي إليه بجده، فمن كان متفرعاً عن الأب القريب فهو أولى من المتفرع عن الأب البعيد، وهكذا الأعمام أخوان الجد أو من فوقهم الذين هم إخوان أبي الجد وإن علاء، وكذلك أبناؤهم وإن نزلوا، فكل من يدلي إلى الميت بمن هو قريب منه هو الذي يحوز الميراث، ومن كان أبعد فإنه لا يحوزه سواء كان ذلك في جهة واحدة أو في جهتين، كالإخوة لأب مع الأعمام فإن هؤلاء في جهة وهؤلاء في جهة؛ لأن أبناء الإخوة يدلون بالإخوة وذلك لمشاركتهم الميت في أبيه، وأما الأعمام فيشاركون الميت في جده وليس في أبيه، فمن يدلي إلى الميت بالأب القريب أولى ممن يدلي إليه بالأب البعيد الذي هو فوق القريب.
وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: (لأولى رجل ذكر) يعني: من كان قريباً إلى الميت، سواء كان ذلك القرب من جهة واحدة أو من جهتين، وهناك من يدلي إلى الميت بسببين كالأم والأب وهناك من يدلي بسبب واحد وهو الأب فقط، فإن الإخوة الأشقاء مقدمون على الإخوة لأب؛ لأن هؤلاء يدلون بالأم والأب وهؤلاء يدلون بالأب فقط، فكانوا أولى وأقرب إلى الميت من هؤلاء.
وهكذا إذا كان ذلك في جهتين كما قلنا بالنسبة للإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب مع الأعمام الذين يدلون بقرابتهم إلى الميت في مشاركتهم في جده؛ لأن العم يشارك الميت في أب أبيه، وأما الأخ فيشاركه في أبيه، ومن يشارك في الأب أولى ممن يشارك في الجد.