فأهل السنة يترضون عن الصحابة جميعاً، ويعتقدون أنهم أفضل هذه الأمة التي هي أفضل الأمم، فإن أفضل الأمم هي هذه الأمة، وأفضل قرونها هو القرن الذي بعث فيه صلى الله عليه وسلم، وأفضل أولئك القرن الصحابة، وأفضل الصحابة الخلفاء الأربعة، وأفضلهم أبو بكر؛ فهو أفضل الأمة بعد نبيها، هكذا اتفق على ذلك أئمة السلف وأهل السنة، كما جاء في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)، أي: لا ينكر هذا الترتيب الذي هو ترتيبهم في الفضل.
وقد تواتر عن علي رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: (أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر)، وهذا مشهور عنه من طرق متعددة، ولكن الرافضة قوم بهت؛ فلا يقبلون من كلامه ما يخالف معتقدهم، مع أنهم يعتقدون فيه الولاية والصدق، ولكن لما خالف ذلك معتقدهم ردوا هذا الدليل الواضح الذي هو من كلامه رضي الله عنه.
وعند موته عهد بالخلافة إلى عمر، فقبل ذلك الصحابة وبايعوه، واتفقت الصحابة رضي الله عنهم على بيعة عمر، وكونه هو الخليفة الثاني، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين، وبقي في الخلافة عشر سنين، إلى أن قتله أبو لؤلؤة المجوسي وأصيب المسلمون بقتله، بل كأنه لم تحصل لهم مصيبة مثلها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
واستمر رضي الله عنه في الخلافة هذه المدة، وهو متقن لهذه الولاية، وعادل بين الأمة، وسائر فيهم أتم سيرة وأحسنها.
ثم بعده بويع عثمان، وصار هو الخليفة بعده، ولم يزل كذلك إلى أن قتله الثوار الذين ثاروا عليه، ولما قتل لم يكن هناك أولى من علي رضي الله عنه، فتمت له البيعة، إلا أن أهل الشام توقفوا عن البيعة حتى يمكنهم من قتلة عثمان، وانفصلوا، وإنما حصل الانفصال بين أهل الشام وبين أهل العراق، وتمت الخلافة لـ علي في العراق وفي الحجاز وفي اليمن وفي خراسان، وانفصلت الشام ثم مصر، وصار في الولاية على الشام ومصر معاوية إلى أن قتل علي رضي الله عنه، ولما قتل تولى بعده ابنه الحسن نصف سنة، ثم إنه تنازل عن الخلافة وسلمها لـ معاوية.