وكان مولده يوم الثلاثاء النصف من شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة نيفاً وستين سنة ما وقف له على زلة ولا غلطة.
وأذكر له حكاية وهي أنه شهد مع جماعة من الشهود على زوجة أبي الحسن ابن أبي تمام الهاشمي نقيب النقباء في إقرار أقرت به، فلما سمعوا إقرارها من وراء الستارة لم يقنعهم ذاك، وأرادوا من يشهد عندهم أن المقرة هي المذكورة في الكتاب بعينها، وأن يشاهدوها حتى يسلموا له، ويصح أن يشهدوا عليها بالمعرفة، فلم يقدموا على ذلك وخطاب أبي تمام فيه، فخرج ولده منها فقام له التنوخي وأخذه إلى حجره وقبل رأسه وقال له، قليلاً قليلاً: من هذه التي تكلمنا من وراء الستارة وتحدثنا وتشهدنا عليه؟ فقال له: ستي، فالتفت إلى الجماعة وقال لهم: اشهدوا ياسادة، فأنا أشهد عندكم أن المقرة عندنا من وراء الستارة هي المذكورة في الكتاب بعينها، فشهدوا وشهد معهم. وقال من بعد: هذا صبي لا يعرف ما نحن فيه، ولو كان خلف الستارة غير سته لقال، ولما كانت هي بعينها قال: هي ستي، ولعمري لقد كان أبو الحسن أجل من أن يفعل هذا معنا.
- 13 - (?)
قال أبو الحسين: كان لنا غلام يعرف بجميلة فابتاع ألف سابل سرجيناً من فلاح يعرف بالدابة ليحمله إلى قراحنا المشجر في نهر عيسى ليطرح في أصول الشجر، فلما ذكر جميلة ذاك للرئيس رضي الله عنه قال له: اكتب عليه خطاً وأشهد فيه، يعني المعلم في الدار ومن يجري مجراه، فكتب جميلة على الفلاح رقعةً ومضى بها لا يلوي على شيء إلى أن عاد التنوخي بين الصلاتين وهو جائع حاقن تعب، والزمان صائف، فقام إليه ودعا له وقال له: من أنت؟ قال: غلام فلان. قال: مالك؟ قال: شهادة. قال له: اقعد، ودخل فخلع ثيابه ودخل بيت الطهارة وأطال، والغلام يصيح: يا سيدنا أنا قاعد من ضحوة النهار إلى الساعة، فقال له: ويلك؟ اصبر حتى أخرى، اصبر حتى أخرى، اصبر حتى أخرى، ثم توضأ ليصلي فلم