سالف الدهر كل مملكة منها ملك عظيم الشأن: فمنها ملك مصر الذي أطغى فرعون على خطر أمره حتى ادعى الإلهية، وافتخر على نبي الله موسى بذلك، ومنها [ملك ... للذي ... ] (?) الإسكندر ومن خلفه من اليونانيين، ومنها ممالك اليمن التي كانت للتبابعة الأقيال العباهلة ملوك حمير، على عظيم شأنهم وكثرة عددهم، ومنها أجناد الشام التي فيها جند حمص، وكانت دارهم ودار هرقل عظيم الروم ومن قبله من عظمائها، ومنها جند دمشق على جلالته في القديم والحديث واختيار الملوك المتقدمين له، ومنها جند الأردن على جلالة قدره وأنه دار المسيح صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والحواريين، ومنها جند فلسطين، وهي الأرض المقدسة وبها المسجد الأقصى وكرسي النصرانية ومعتقد غيرها ومحج النصارى واليهود طراً، ومقر داود وسليمان ومسجدهما، ومنها مسجد إبراهيم وقبره وقبر إسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام، ومنها مولد المسيح وأمه وقبرها. هذا إلى ما نتقلده من أمر مكة المحفوفة بالآيات الباهرة والدلالة الظاهرة، فإنا لو لم نتقلد غيرها لكانت بشرفها وعظم قدرها وما حوت من الفضل توفي على كل مملكة، لأنها محج آدم ومحج إبراهيم وإرثه ومهاجره، ومحج سائر الأنبياء، وقبلتنا وقبلتهم عليهم السلام، وداره وقبره ومنبت ولده، ومحج العرب على مر الحقب، ومحل أشرافها وذوي أخطارها على عظم شأنهم وفخامة أمرهم، وهو البيت العتيق المحرم المحجوج إليه من كل فج عميق الذي يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف، من مضى ومن خلف، وهو البيت المعمور وله الفضل المشهور. ومنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم المقدسة بتربته، وأنها مهبط الوحي، وبيضة هذا الدين المستقيم الذي امتد ظله على البر والبحر والسهل والوعر والشرق والغرب وصحارى العرب على بعد أطرافها وتنازح أقطارها وكثرة سكانها في حاضرتها وباديتها، وعظمها في وفودها وشدتها وصدق بأسها ونجدتها وكبر أحلامها وبعد مراميها وانعقاد النصر من عند الله براياتها، وان الله تعالى أباد خضراء كسرى وشرد قيصر عن داره ومحل عزه ومجده بطائفة منها. هذا إلى ما تعلمه من أعمالنا. وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسي