من أعظم كراسيكم: بيت المقدس وأنطاكية والإسكندرية، مع ما إلينا من البحر وجزائره واستظهارنا بأتم العتاد.
وإذا وفيت النظر حقه علمت أن الله تعالى قد أصفانا بجل الممالك التي ينتفع الأنام بها، ويشرف الأرض المخصوصة بالشرف كله دنيا وآخرة، وتحققت أن منزلتنا بما وهبه الله لنا من ذلك فوق كل منزلة، والحمد لله ولي كل نعمة.
وسياستنا لهذه الممالك، قريبها وبعيدها، على عظمها وسعتها، بفضل الله علينا وإحسانه إلينا ومعونته لنا وتوفيقه إيانا، كما كتبت إلينا وصح عندك من حسن السيرة، وبما يؤلف بين قلوب سائر الطبقات، من الأولياء والرعية، على الطاعة واجتماع الكلمة، ويوسعها الأمن والدعة في المعيشة، ويكسبها المودة والمحبة، والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً على نعمه التي تفوت عندنا عد العادين، وإحصاء المجتهدين، ونشر الناشرين، وقول القائلين، وشكر الشاكرين، ونسأله أن يجعلنا ممن تحدث بنعمته عليه شكراً لها، ونشراً لما منحه الله منها وممن رضي اجتهاده في شكرها، وممن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وكان سعيه مشكوراً، إنه حميد مجيد.
وما كنت أحب أن أباهيك بشيء من أمر الدنيا، ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذي كرمه وأظهره، ووعدنا في عواقبه الغلبة الظاهرة والقدرة القاهرة ثم الفوز الأكبر يوم الدين، لكنك سلكت مسلكاً لم يجز لي أن أعدل عنه، وقلت قولاً لم يسعنا التقصير في جوابه. ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك، ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به، إذ نحن نكرم عن ذلك، ونرى أن نكرمك عند محلك ومنزلتك وما يتصل بها من حسن سياستك ومذهبك في الخير، ومحبتك لأهله، وإحسانك لمن في يدك من أسرى المسلمين وعطفك عليهم، وتجاوزك في الإحسان إليهم جميع من تقدمك من سلفك، ومن كان محموداً في أمره رغب في محبته لأن الخير أهل أن يحب حيث كان.
فإن كنت إنما تؤهل لمكاتبتك ومماثلتك من اتسعت مملكته وعظمت دولته وحسنت سيرته، فهذه ممالك عظيمة واسعة جمة، وهي أجل الممالك التي ينتفع