الله تعالى فإنا فقراء إلى رحمته، وحق لمن أنزله الله بحيث أنزلنا، وحمله من جسيم الأمر ما حملنا، وجمع له من سعة الممالك ما جمع لنا، بمولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يبتهل إلى الله تعالى في معونته لذلك وتوفيقه وارتياده، فإن ذلك إليه وبيده، {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} .

وأما ما وصفته من ارتفاع محلك عن مرتبة من هو دون الخليفة في المكاتبة لما يقتضيه عظم ملككم وأنه الملك القديم الموهوب من الله الباقي على الدهر، وأنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحققته من حالنا عندك، فإن ذلك لو كان حقاً وكانت منزلتنا كما ذكرته تقصر عن منزلة من تكاتبه، وكان لك في ترك مكاتبتنا غنم ورشد، لكان من الأمر البين أن أحظى وأرشد وأولى بمن حل محلك ان يعمل بما فيه صلاح رعيته، ولا يرى وصمة ولا نقيصة ولا عيباً، ولا يقع في معاناة صغيرة من الأمور تعقبها كبيرة، فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار ويخوض الغمار ويعرض مهجته في ما ينفع رعيته. والذي تجشمته من مكاتبتنا، إن كان كما وصفته، فهو أمر سهل يسير لأمر عظيم خطير، وجل نفعه وصلاحه وعائدته تخصكم، لأن مذهبنا انتظار إحدى الحسنيين، فمن كان منا في أيديكم فهو على بينة من ربه، وعزيمة صادقة من أمره، وبصيرة فيما هو بسبيله، وإن في الأساري من يؤثر من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا وخيرها لحسن منقلبه وحميد عاقبته، ويعلم أن الله تعالى قد أعاده من أن يفتنه ولميعده من أن يبتليه، هذا إلى أوامر الإنجيل الذي هو إمامكم، وما توجبه عليكم عزائم سياستكم، والتوصل إلى استنفاذ أسرائكم، ولولا أن إيضاح القول في الصواب أولى بنا من المسامحة في الجواب، لأضربنا عن ذلك صفحاً، إذ رأينا أن نفس السبب الذي من أجله سما إلى مكاتبة الخلفاء عليهم السلام من كاتبهم، أو عدا عنهم إلى من حل محلنا في دولتهم، بل إلى من نزل عن مرتبتنا، هو أنه لم يثق من منعه ورد ملتمسه ممن جاوره، فرأى أن يقصد به الخلفاء الذين الشرف كله في إجابتهم، ولا عار على أحد وإن جل قدره في ردهم. ومن وثق في نفسه ممن جاوره وجد قصده أسهل السبيلين عليه، وأدناهما إلى إرادته، حسبما تقدم لها من تقدم. وكذلك كاتب من حل محلك من قصر عن محلنا، ولم يقرب من منزلتنا، فممالكنا عدة كان يتقلد في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015