وحدثني حمزة بن محمد الحافظ قال: قال لي ابن مانة: راسلني الإخشيد في تسليم غلماني والسلاح والدواب ويقنع مني بهذا، فوعدته يوماً أركب إليه فيه، وكنت عند مسير الإخشيد إلى مصر أحضرت بناءً فعمل لي فسقية في الخلاء وانصرف ليغدو إلى تمامها، فلما انصرف جلست أنا وأم أولادي فرصصنا فيها مائة ألف دينار وغطيناها بإزار وقطع ثم طرحنا الآجر والرماد، وجاء البناء ولم يعلم بما عملناه فأصلحها وبيضها، فلما دخل الإخشيد وراسلته وافق ذلك أن ابن قرماقس أحضر إليه بناءً يعمل له خلاء فقال له: اعمل لي فسقية فقال له: أنا أعمل لك فسقية كما عملت لابن مانة. فركب إلى الإخشيد من ساعته وقال له: قد عرفت موضع مال ابن مانة، فأرسل معه إلى داري وهي خالية، فحفروا وأخذوا المال كله. فلما كان يوم الموعد جاءني الرسول فقال: اركب، فقلت: أيش أعمل بالركوب، قد ذهب الذي كنت أخاف عليه، فمضى الرسول فأخبره فضحك.
وفي شعبان توفي عفان بن سليمان البزاز أجل تاجر كان بمصر، فأخذ الإخشيد من ماله في ميراثه نحو مائة ألف دينار.
وفي هذا الشهر من سنة أربع وعشرين كتب الإخشيد إلى الخليفة الراضي بما عمله هو والفضل بن جعفر وما وفراه وبما عملاه في محمد بن عليّ الماذرائي، فورد رسول الراضي إلى الإخشيد بالخلع والطوق والسوارين، فزينت الأسواق واشوارع بأنواع الفرش والستور والبسط وأبواب الجامع، وظهر الديباج والمثقل، وركب الإخشيد إلى الجامع العتيق فصلى فيه يوم الأربعاء، ومعه الوزير الفضل بن جعفر، وعليه خلع الراضي، وسار إلى داره ومعه الفضل بن جعفر.
ثم وصل كتاب الراضي إلى الإخشيد بالجد في قتال عساكر المغرب وإنفاذ العساكر إليهم. ووردت كتب أهل الثغر في أمر الفداء، فأمر الإخشيد بصندوق فجعل في الجامع العتيق ليطرح الناس فيه، فلم يطرحوا فيه شيئاً، فأنفذ الإخشيد بالمراكب والمال للفداء.
وفي شعبان سنة خمس وعشرين نقل الإخشيد الصناعة من موضع البستان المعروف بالمختار في الجزيرة وجعلها في موضعها اليوم من الساحل.