إن كنت أضمرت سلواً فلا ... بلغت من وصلك آمالي
وعشت من بعدك وهو الذي ... أخشى لأن الموت أشى لي ورجعت إلى مجلس عمي وقعدت فيه ساعة، وحضر الرجل فقلت: يا سيدنا جمال الأدب والعلماء، ما علمت ما معنى البيتين وأريتهما لمولييَّ عمي وأبي فما علما، فقالا: والله كذلك كان، قلت: بل وقع إلي أنك أردت تختبرني، فعملت في ساعتي هذه الأبيات وأنشدتها، فقال لي من حضر: والله لولا أنها مكتوبة في ظهر الرقعة لظنناها من حفظك، وكان والله أديباً مليحاً، وهو كان لازماً لبني الشهرزوري، والأبيات لابن الشهرزوري. وأنشدني له أيضاً وقد مر بقبر أخيه:
مررت على قبر تداعت رسومه ... ومنزله بين الحوائج آهل
فريدٌ وفي الإخوان والأهل كثرة ... بعيد ومن دون اللقاء الجنادل
فحرك مني ساكناً وهو ساكن ... وثقف مني مائلاً وهو مائل
وقلت له إن كنت أخليت منزلاً ... فقد ملئت بالحزن منك المنازل
عليك سلام الله ما ذر شارق ... وما حن مشتاق وما ناح ثاكل - 15 - (?)
سنة 534: في شوال وفي حادي عشره مات أبو القاسم ابن السحلول الزاهد رحمه الله، وكان لا يأكل خبزاً لأحدٍ قط، إلا ما يعمل، ولقد حدثني جماعة وهو حاضر يتحدث حينئذ أنه حج وجاءت طريقه إلى حير، وهو وجماعة من الحجاج، فأخذوهم العرب، قال: ومشينا حتى نال الحر والعطش منا، فقال له أصحابه: ما تشتهي يا أبا القاسم؟ قال: اشتهيت رحمة الله وشربة من ماء، قالوا: أين ذاك؟ قال: أما أنا فأتكل على الله وأموت ولا أتعب، ورجع إلى موضع يلتجئ إليه فوجد ماء معيناً فغرف منه بيده، فنادى أصحابه فجاءوا وشربوا واستراحوا، فإذا ناقة قد أقبلت من التي كانت لهم وقد أخذها العرب، فجاءت إلى أن حققوها، فرأوها ناقة