لقد كان الرسول المربي العظيم يحاول دوما، وهو يصوغ النفوس أن يفجر فيها ينابيع الرحمة، ويفتح كوامنها على الحب والحنان، أخص خصائص الإنسان.
جاءه يوما أعرابي فقال: أتقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟)) (?).
وتروي السيدة عائشة أم المؤمنين: ((أن فاطمة كانت إذا دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إليها، فرحب بها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه. وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده، فرحبت به، وقبلته، وأجلسته مجلسها. وأنها دخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه، فرحب بها، وقبلها)) (?).
إن المسلم الصادق لا يملك إزاء هذا الهدي النبوي العالي أن يكون متجهما لأولاده، جافا في معاملتهم، فظا في مخاطبتهم، حتى ولو كان في طبعه جفاء، وفي خلقه جفاف وكزازة؛ ذلك أن هذا الدين بما جاء به من هدى منير، يرقق القلب، ويفجر ينابيع الحنان، ويذكي أوار الحب، فإذا الأولاد قطع من القلب تسعى على الأرض، كما قال الشاعر (?):
وإنما أولادنا بيننا…أكبادنا تمشي على الأرض
إن هبت الريح على بعضهم…تمتنع العين من الغمض
وإذا الوالدان ذوب عاطفة، ودفقة حنان، وموجة رعاية وتضحية واحتضان.