ودهما؟! ألا إنه الإسلام ومنهجه المتميز الفريد في صياغة النفوس وتقرير الأواصر الإنسانية النبيلة السامية التي ما وصل إليها نظام، ولا بلغ شأوها تشريع.
إن المسلم الذي صاغه الإسلام بحق إنسان بار بوالديه، يحيطهما بأجمل مظاهر الاحترام والتقدير، يقوم لهما إذا قدما على مجلسه، وينكب على أيديهما لثما وتقبيلا، يغض من صوته أمامهما تأدبا منه وإجلالا لهما، ويخفض لهما من جناحه، وينتقي العبارات المهذبة اللطيفة في حديثه معهما، فلا يجري على لسانه معهما لفظ ناب أو عبارة خشنة جارحة، ولا يبدو منه في تعامله معهما فعل عار عن أدب التوقير والتكريم والإجلال، مهما تكن الظروف والأحوال، مستهديا دوما بقوله تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (?).
وقد يكون الوالدان منحرفين عن جادة الصواب، حائدين عن طريق الحق، فواجب الولد المسلم البار في مثل هذه الحالة أن يتأتى إليهما برفق وتؤدة ولباقة وسماحة، ليزحزحهما عن الباطل الذي يتمسكان به، لا يشتد، ولا يغلظ، ولا يقسو، ولا ينهر، بل يحاول إقناعهما بذكاء وتلطف، حتى يلفتهما إلى الحق الذي يؤمن به، وسلاحه في هذا كله الحجة القوية، والمنطق السليم، والأسلوب المهذب الحكيم.