ولا ينسى المسلم الواعي الحصيف أنه مطالب بهذا الأسلوب مع والديه حتى لو كانا مشركين. إنه مطالب حتى في حالة شركهما أن يحسن معاشرتهما، وإنه ليعلم أن الشرك أكبر الكبائر. إنه ليمتثل في ذلك أمر الله جل وعلا إذ يقول:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (?)
إن الوالدين لأقرب الأقرباء، وأحب الأحباب، ولكن رابطتهما- على جلالة قدرهما- تأتي بعد رابطة العقيدة، فإن كانا مشركين وأمرا ابنهما بالشرك، فلا طاعة لهما عليه؛ إذ لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذ تعلو وشيجة العقيدة على كل وشيجة، ويسمو أمرها على كل أمر، ولكن الولد يبقى ملزما ببرهما ورعايتهما والإحسان إليهما.
ومن هنا كان المسلم الحق برا بوالديه في الأحوال كلها، عاملا على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وفي حدود طاعة الله عز وجل، لا يدخر وسعا في تقديم ألوان البر والرعاية والإكرام لهما، من مأكل شهي، وملبس نفيس، وسكن مريح، وما يدخل في طوقه من صنوف الرفاهية المباحة المناسبة للعصر الذي يعيشان فيه، والمستوى الاجتماعي الذي هما عليه، وفوق ذلك كله: الكلمة الطيبة، والوجه الطلق المحيا، الباسم الثغر، الفائض بالحب والحنان والوفاء والعرفان بالفضل لصاحبي الفضل الكبير، الوالدين.