وزياراته للناس ودخوله عليهم ومجالسته إياهم، وغير ذلك من الأعمال كالصلات الاجتماعية ...
هذه هي الصورة الوضيئة الجلية المشرقة لشخصية الإنسان المسلم الذي صاغه الإسلام، وارتوت نفسه من مناهله العذاب، واستنار عقله وقلبه وروحه بنوره الرباني اللألاء.
ولعمري إن الوصول بالإنسان إلى مثل هذا المستوى العالي الشفيف من مكارم الأخلاق، وترجمتها سلوكا حيا يمشي على الأرض، لأكبر إنجاز حضاري تتطلع إلى تحقيقه النظم والشرائع والفلسفات و (الأيديولوجيات)، وإنه لإنجاز، دونه المنجزات العلمية المادية التي غمرت عالمنا اليوم، وبهرت بأضوائها وألوانها القلوب والأبصار؛ ذلك أن الإنسان أكرم وأغلى المخلوقات في الوجود، وما بذلت الجهود المضنية عبر القرون وقامت الحضارات البشرية إلا من أجل إسعاده وترقيته وتكريمه، ومناط تكريمه إنسانيته؛ ولهذا كانت الحضارة التي تهتم بإشباع غرائز الإنسان الدنيا، ولا تعنى بتنمية إنسانيته وتزكيتها، وتفجير ينابيع الخير فيها، حضارة قاصرة ناقصة، أخلت بأهم شروط الحضارة الإنسانية، إذ أغفلت إنسانية الإنسان، وهي جوهرته المكنونة، وأثمن شيء فيه.
ولا يغني عن الاهتمام بإنسانية الإنسان والعناية بها شيء مما وصلت
إليه الحضارة البشرية من مخترعات: كالمدافع والصواريخ، والأقمار الصناعية و (الترانزستور) و (التلفاز) و (الفيديو) و (الكومبيوتر) و (الأنترنت) وغير ذلك من منجزات العلم، ما لم تسخر جميعها من أجل السمو بالإنسان وإسعاده وتزكية نفسه:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (?).