إن رقي المجتمعات لا يقاس بما حققت من منجزات العلم، وما اكتشفت في عالم المادة من مخترعات فحسب، وإنما يقاس بهذا، وبشيء أهم منه، وهو سيادة القيم الإنسانية فيها، من حب وتعاطف وإيثار وتضحية واستقامة ونظافة في التصور والسلوك والمعاملة.
وإذ كان الأفراد هم أساس المجتمعات، والدعائم التي تبنى عليها كل نهضة اجتماعية، عنيت المجتمعات الإنسانية الراشدة بتربية الإنسان، فنمت فيه جوانب الخير والبناء، وحاولت أن تستل من نفسه نزعات الشر والهدم، ليغدو مواطنا صالحا، إذ من مجموع المواطنين الصالحين يتكون المجتمع الصالح القوي الراقي النظيف.
والمجتمع الإسلامي مجتمع متكامل راق من الطراز الأول، الإنسان المسلم فيه اجتماعي من النمط الرفيع، بما لقن من أحكام دينه الحق، وبما تمثل من أخلاقه الإنسانية الرفيعة النبيلة التي دعا إليها، وحض على التخلق بها في مجال التعامل الاجتماعي.
إن ما نشهده اليوم من تخلف وفرقة وشحناء وقطيعة تقع بين صفوف المسلمين على مستوى الدول والشعوب والأفراد، إن هو إلا دليل صارخ على بعد المسلمين عن عروة الله الوثقى، وتنكرهم لرابطة الإيمان المتينة، ونقضهم لوشيجة الأخوة القويمة، ومن هنا نبتت في بلادهم الدعوات الجاهلية الضالة، وغزتهم المبادئ الأجنبية المستوردة، فارتفعت في سماء المسلمين رايات ورايات، وتسربت إلى مجتمعاتهم سموم وآفات، جعلت منهم غثاء كغثاء السيل.
وما كان ذلك كله ليقع في حياة المسلمين، لو سلمت للمسلم شخصيته الأصيلة، وسلمت له مناهله الفكرية والروحية.
ولكن الغارة على العالم الإسلامي كانت تستهدف شخصية المسلم،