((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما)) (?).
ذلك أن اقحام الشخص نفسه بين اثنين، سواء كان ذلك في مجلس أم في غير مجلس، من الأمور المستكرهة المستهجنة التي اشتد الإسلام في تبيان قبحها، والتنبيه إلى تجنبها. والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة جدا، ومنها ما يرويه سعيد المقبري، يقول: ((مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدث، فقمت إليهما، فلطم في صدري فقال: إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما، ولا تجلس معهما، حتى تستأذنهما. فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن، إنما رجوت أن أسمع منكما خيرا)) (?).
وإذا قام له أحد من المجلس ليجلسه مكانه لم يقبل الجلوس فيه؛ ذلك
أكرم وأفضل وأمثل، وأشبه بما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا)) (?). وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه (?).
وإذا ما استقر به المجلس كان في أحاديثه وتصرفاته متأدبا ما استطاع بأدب الرسول الكريم حين كان يجالس الناس؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام (?).