قلت: نعم، قالت: فادع لنا بخير، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((إن دعوة المرء المسلم مستجابة لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال: آمين، ولك بمثل)). قال: فلقيت أبا الدرداء في الشوق، فقال مثل ذلك، يأثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

لقد كان الرسول الكريم يربي في أصحابه الروح الجماعية، ويشيع بينهم شعور الغيرية، فيلفتهم في كل مناسبة إلى الإحساس بمعنى الأخوة الشاملة، بحيث لا يبقى في حس الأخ المسلم مجال للأنانية الضيقة الفردية، التي تعشي الأبصار، وتختم على القلوب، وتصدئ النفوس.

ومن لفتاته التربوية الرائعة التي تؤصل في النفس روح الأخوة الجماعية، وتقتلع بذور الأنانية الفردية، ما قاله لرجل هتف داعيا: اللهم اغفر لي ولمحمد وحدنا، قال له: ((لقد حجبتها عن ناس كثيرين)) (?) فعلمه بذلك أن روح الإسلام تأبى على المسلم أن يستأثر بالخير وحده، ولو كان معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن المؤمن ينبغي أن يحب لأخيه دوما ما يحب لنفسه.

وبعد، فهذا هو المسلم الحق، محب لإخوانه وأصدقائه، مخلص، ناصح لهم، أمين على سمعتهم وأعراضهم وأموالهم، في حضورهم وغيبتهم، مؤثر لهم على نفسه، متسامح عفو غفور لزلاتهم، وهو معهم لطيف العشرة، موطأ الكنف، حسن اللقاء، نقي السريرة، نظيف اليد واللسان والجوارح، جواد لا يبخل، صادق لا يكذب، ودود لا يجفو، وفي لا يخون، شهم لا يغدر، مستقيم لا يتلون، ولا عجب أن يتصف بهذا كله، إنه معجزة الإسلام، في صوغ الإنسان، إنه المسلم كما يريده الإسلام.

...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015