التي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فلما نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، نسخ الميراث وبقي النصر والإرفاد والإيثار والمواساة.
والمسلم الحق الصادق الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا يفوته في ساعات الصفاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب، دعوة غائب لغائب، تتجلى فيها خفقة القلب المحب الصدوق، ورفة الروح الشفافة الحانية؛ ففي دعائه له بالخير تأكيا لمحبته إياه، وتوثيق لعروة الأخوة النقيه في قلبه، وإنه ليعلم أن هذه الدعوة الحارة أسرع الدعوات إجابة، لما تميزت به من إخلاص وصدق وصفاء، يؤكد ذلك قول الرسول الكريم:
((أسرع الدعاء إجابه دعاء غائب لغائب)) (?).
ولهذا طلب الرسول الكريم من عمر رضي الله عنه حين جاءه يستأذنه في العمرة أن يدعو له؛ فعن عمر رضي الله عنه قال: ((استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن، وقال: ((لا تنسنا يا أخي من دعائك))، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا)) (?).
وقد وقر هذا المعنى في نفوس الصحابة الكرام، فكانوا يطلبون الدعاء من إخوانهم كلما وقفوا موقفا يستجاب فيه الدعاء، يستوي في ذلك الرجال والنساء، مما يدل على ارتفاع مستوى المجتمع كله في تلك الفترة الوضيئة من تاريخنا؛ فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، وكانت تحته الدرداء بنت أبي الدرداء، قال: قدمت عليهم الشام، فوجدت أم الدرداء، في البيت، ولم أجد أبا الدرداء، قالت: أتريد الحج؟