بذلا من كثير، لقد كلفونا المؤونة، وأشركونا في المهنأ (?)، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: لا، ما أثنيتم عليهم، ودعوتم الله لهم)) (?).
وحسب الأنصار ثناء الله عليهم، وتنويهه بحسن صنيعهم، إذ أنزل فيهم قرآنا يتلى، فيحكي قصة إيثارهم الفريد على وجه الزمان، ويخلدهم نماذج واقعية حية رفيعة للتحرر من شح النفوس:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (?).
وستبقى صورة الأنصار الوضيئة في القرآن الكريم منار هداية وإشعاع للإنسانية الضاربة في تيه المطامع والأثرة والشح والإمساك، ما أقبل ليل وأدبر نهار، ودعي الناس للبذل والسخاء والإيثار.
لقد أدرك الأنصار رضوان الله عليهم ما تعنيه أخوة الإيمان، حين آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم وبين المهاجرين، فكانوا مؤمنين حقا، أحبوا لإخوانهم ما أحبوا لأنفسهم، كما سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يمسكوا عنهم شيئا من حطام الدنيا، بل نزلوا عن شطر ما يملكون لإخوانهم طائعين مختارين، طيبة بذلك نفوسهم، راضية قلوبهم، وكانو في أول الهجرة يورثون المهاجرين دون أرحامهم، ليقوموا بحق الأخوة التي رفع لواءها فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يشهد لذلك الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس، قال: ((كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون رحمه للأخوة