أن يوثق علاقة الجار بجاره، ويقيمها على أساس ثابت ركين من المودة والبر والتكافل وحسن المعاملة.
لهذا كله، كان المسلم المستنير بهدي دينه صبورا على جاره، لا يستشيط غضبا إن بدرت منه هنة من الهنات، ولا يحاسب جاره على زلة زلها، أو تقصير وقع فيه، يعفو ويصفح عنه، محتسبا ذلك كله في جنب الله، واثقا أن هذا الصفح وذلك العفو لا يضيعان عند الله، بل إنهما ليكسبانه محبته ورضوانه، يشهد لذلك حديث أبي ذر حينما لقيه مطرف بن عبد الله، فقال له: يا أبا ذر، كان يبلغني عنك حديثك، وكنت أشتهي لقاكك. قال: لله تبارك وتعالى أبوك! قد لقيتني، قلت: حديثا بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثك، قال: ((إن الله عز وجل يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة)). قال: فما إخالني أكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: ((رجل غزا في سبيل الله صابرا محتسبا، فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله عز وجل، ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، قلت: ومن؟ قال: ((رجل كان له جار سوء يؤذيه، فصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت ... )) (?).
لقد كان من هدي هذا الدين الذي بسطه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصحابة ألا يقابل الجار جاره بالسوء بل يصبر على أذاه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، عسى أن يرعوي من نفسه، ويكف عن الأذى، حين يرى جاره لا يقابل سيئته بمثلها، بل يتجمل بالصبر والحلم والأناة، وهذا لعمري من أسمى الأخلاق