ذلك يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ((ولا يبدأ بجاره الأقصى قبل الأدنى، ولكن يبدأ بالأدنى قبل الأقصى)) (?).
على أن هذا التصنيف في الإحسان للجيران لا يلوي عنق المسلم، ولا يصرف نظره عن الجيران الأبعدين عن مسكنه؛ فكل من كان في دائرة بيته داخل في ذمة الجوار، وله عليه حق الجار، وما ذلك التصنيف في تقديم الجار الأقرب إلا تصنيف تنظيمى، راعى فيه الرسول الكريم نفسية الجار الأقرب، لما يكون بينهما عادة من احتكاك وتعامل واتصال مستمر.
والإحسان إلى الجار شعور أصيل عميق في وجدان المسلم الصادق، وصفة مميزة له عند الله والناس؛ ذلك أن المسلم الحق الواعي الذي رضع لبان الإسلام، وخالطت قلبه بشاشة تعاليمه السمحة، لا يستطيع إلا أن يكون خير صاحب في الأصحاب، وخير جار في الجيران، وهو من عناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
((خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيراني عند الله خيرهم لجاره)) (?).
ومن هنا جعل الإسلام من سعادة المرء المسلم الجار الصالح؛ فجواره
قرة عين لجاره، ومبعث سعادة وهناءة وارتياح وأمن وطمأنينة، وحسب الجار الصالح تكريما ورفعة أن يجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركنا من أركان السعادة في حياة المسلم فيقول: