واعلم أن طريق العالم في تغيير المنكر أن يتكلم في ذلك مما علمه الله طريق الموعظة في مجالسه أو عن المجالس فيذكر الحكم، فإن سمع منه ورجع حصل المراد وأشرك قوله قلبه وكان قد أقام عند الله عذره، وقام بما وجب عليه ويسلم أيضاً من الآفة العظيمة التي عليه في عدم الكلام؛ فإنه قد ورد " أن يوم القيامة يتعلق الرجل بالرجل ولا يعرفه فيقول: ما بالك ما رأيتك فيقول له: بلى رأيتني يوما على منكر فلم تنهني عنه " وهذا أمر خطر قبل أن تقع السلامة منه وبالكلام ينجو من هذا الخطر وإنما يتركها مع رؤيتها لاستئناس النفوس بذلك وذلك أهلك من مضى من الأمم وقد ورد " أن موسى عليه السلام مر على قرية وقد أهلكها الله تعالى فقال: يا رب كيف أهلكتهم وكنت أعرف فيهم رجلا صالحا فأوحى الله تعالى إليه يا موسى: " إنه لم يغَرْ لي ". فأفاد لنا هذا الخبر أنه لو غير عليهم ما هلك، ولا هلكوا والحكم في ذلك أنه مأجور بالتغيير عليهم والإنكار كما أنت مأمورون بترك ما أحدثوا فلما أن وقعوا في المخافة وسكت هو كان وقوعا منه فيما هم فيه لأنه ارتكب ما نهى عنه من السكوت عند رؤية المخالفة فاستوى معهم في ارتكاب المنهي عنه فلم يكن في القرية إذ ذاك من يرفع البلاء عنهم إذا نزل بهم لآن العذاب إنما يرفعه الامتثال، ولم يكن ثم إذ ذاك ممتثل، فحصل ما حصل وهاهو اليوم لاشك فيه ولا خفاء في وقوع هذا الأمر لوقوع ما يقع وسكوت علمائنا في الجمع فلا يتكلمون عند رؤيته ولا يحضون في مجالس علمهم على تركه فلاشك أن نزول موجبات العذاب كلها متواترة عندي في الغالب إلا من عصمه الله تعالى.
ومن الناس من يتساهل في أمور:
منها أن الصبي يدخل بيوت بعضهم لقضاء حوائجهم، ويأكل ويشرب معهم من نسائه وبناته إلى أ، تطلع ذقنه، وهو على تلك الحالة فيقول له من عنده علم: إن دخول هذا الشاب البالغ عليكم صار حراماً! فيقول الرجل والمرأة: إن هذا تربى عندنا وبين أولادنا وهو كواحد منهم، ولم نعلم به إلا خيراً، ولم ينكروا هذه المصيبة العظيمة!
وكذا إذا كان هناك شاب يدخل عليهم ويقول: إنه أبن حَيِّنَا، وابن جيراننا ولم ينكروا ذلك. وأكثر ما يقع الفساد من هذه المصيبة.
وكذا الفقيه المعلم يرسل بعض صبيانه إلى بيته لقضاء حاجته يدخل على زوجته وبناته ويستمر على ذلك إلى حين يبلغ ولم يمنعه.
ومنهم: من يرسل البالغ لقلة علمه، وهذا جهل عظيم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فاعلم أن عدم الامتثال يتطرق منه الفساد بدخول الأجانب على الأجانب، تارة يكون ذلك باختيار الرجل، وتارة يكون باختيار زوجته.
ومن الناس من يدخل أخاه على زوجته ويقول: إنه أخي فلا تستحي منه.
ومن الناسي من يكون ذا صنعة كالحائك والخياط وما أشبه ذلك يعمل صنعته في داره، وصُناعه وصبيانه يعملون عنده فتدخل زوجته عليهم بحضرته وتكلم الصناع، وتخاطبهم، وتباسطهم ويباسطونها ولا ينكرون التحريم في النظر، ولا في الكلام، وربما غاب المعلم في حاجته في السوق، وأمر زوجته أن تعمل للصانع ما يحتاج إليه من " تدوير " الغزل، أو ما يحتاج إليه، ولا ينكرون ذلك! وصار ذلك عادة وتقع المؤانسة والمحبة بين الأجانب بهذه العادة الخبيثة، ويتكرر الكلام بينهم والمزاح حتى يذهب منهم الحياء، وهذا من عدم المروءات.
ومنهم من يدخل داره ناساً من خدمه وخوله ومزارعين وحراثين وبذارين ومن يحمل علف الدواب، وعزاقين من أحرار وعبيد على عياله وبناته وأهله وجواره وهم لهن أجانب لإخراج آلة العلف والعليق ونحو ذلك مما هم فيه محتاجون إليه ويطلعون على أهله وعياله ولا يستترون منهم وربما تحدث بعضهم مع بعض وصار ذلك عادةً بينهم، ولا يرون ذلك محرماً، ولا ينكرون ذلك، وقل من يمتنع من دخولهم إلا من غيرة على أهله، أو عنده خوف من الله تعالى نسأل الله العافية.
فصل