وأولهما - معصية إبليس فإنها ترك فريضة. أمر بالسجود، فلم يسجد، ومعصية آدم نُهى عن أكل الشجرة فأكل. ثم تنقسم إلى ما - هو حق الله، وإلى ما هو حق الآدمي. ثم تنقسم من حيث أصولها إلى أربعة أقسام: ربوبية، وشيطانية، وبهيمية، وسبعية. فالربوبية: التشبه بأوصاف الرب سبحانه؛ فمن تشبه بها من الخلق فتكبر، وتجبر، وطلب الرفعة، والعلو والثناء، والاستيلاء على الخلق، فقد نازع الربوبية حقها. والشيطانية: التشيه بالشيطان، ومن صفاته الحسد والبغي والحيلة والخداع والغش والنفاق والدعوة إلى المعاصي والبدع والضلال. والبهيمية: الشهوة والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها تشعب الزنا والسرقة، وأكل مال اليتيم، وجمع الحرام لقضاء الأوطار. والسبعية: الغضب والحقد ومنها يتشعب الصلف والضرب وإيذاء الخلق. وأول ما يستوي على الإنسان البهيمية، فإذا كبر وتزايد فهمه دخلت عليه السبعية، فإذا قويت فكرته، ولم يوفق استعمل عقله في المكر والخداع والصفات الشيطانية، ثم يدخل علية منازعة الربوبية، قال الله عز وجل: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار) انتهى كلام سيدي عبد العزيز. وقال ابن القيم: ذكر الإمام أحمد عن وهب: أن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل: " إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد ". وذكر أبو نعيم عن سالم بن أبي الجعد: ليجد امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال: تدري بم هذا؟ قلت: لا قال:: إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقي الله بعضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر. وذكر أيضاً عن وكيع حدثنا زكريا بن عامر قال: كتبت عائشة - رضي الله عنها - إلى معاوية - رضي الله عنه -: أما بعد. . فإن العبد إذا عمل معصية عاد حامده من الناس ذامّاً. وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في كتابه الزهد لأبيه عن محمد بن سيرين أنه لما ركبه الدَّيْن اغتم لذلك فقال: إني لا أعرف هذا الغم بذنب أصبته قبل أربعين سنة. وههنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي: أنهم لا يرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فُيْنسى، ويظن العبد أنه لا يغير بعد ذلك، وأن الأمر كما قال القائل:
إذا لم تغير حائطا في وقوعه ... فليس له بعد الوقوع غبار
وسبحان الله ماذا أهلكت هذه البلية من الخلق، وكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وما أكثر المفترين بها فضلا عن الجهال! ولم يعلم أن الذنب ينقض ولو بعد حين، كما ينقض السم، وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل. انتهى كلام ابن قيم.