وفي الحديث: " إذا أراد الله بالعبد خيراً ساق إليه من يذكره إذا غفل، وإذا أراد به شراً ساق إليه جليس سوء ينهاه عن الأخذ بالموعظة ". ولما تولى هارون الرشيد جلس للناس مجلساً عاماً فدخل عليه بُهْلُول المجنون فقال يا أمير المؤمنين، أحذر جلساء السوء، واعتمد جليساً صالحاً يذكرك بمحاسن الخلق إذا غفلت، والنظر إليهم فيهم إذا لهوت، فإن هذا نفع لك وللناس، وأكثر في الأجر مما تأتي به من صوم وصلاة وقراءة وحج. إن الرجل يُلقي الكلمة عند ذي سلطان فيعمل بها فتملأ الأرض فساداً. وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة فلا يلقي لها بالا فيهوى بها في النار سبعين خريفا ". ولا تكن يا أمير المؤمنين كمن قال الله تعال فيهم: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) . فقال له: زدني فقال: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قد أقاد لك الناس وجعل أمرك فيهم مطاعاً، وكلمتك فيهم نافذة، وأمرك فيهم ماضياً، وما ذلك إلا لتَحْمِلَهم على الإتيان بما أمر الله، والانتهاء عما نهى الله، وتعطي من هذا المال الأرملة واليتيم والشيخ الكبير وابن السبيل. يا أمير المؤمنين أخبرني فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين في صعيد أحضر الملوك وغيرهم، وولاة أمور الناس فيقول لهم لم أمكنكم من بلادي وأُطِعْ لكم عبادي لجمع الأموال، وحشد الرجال، بل لتجمعوهم على طاعتي، وتنفذوا فيهم أمري ونَهْيى، وتُعِزُّوا أوليائي، وتُذِلّوا أعدائي وتنصروا المظلومين من الظالمين ". يا هارون تفَكَر كيف يكون جوابك في ذلك الموقف إذا حضرت ويداك مغلولتان إلى عنقك، وجهنم بين يديك، والزبانية مُحيطة بك تنظر ما يؤمر فيك!! فبكى هارون بكاء شديداَ! فقال له بعض الحاضرين: كدرت على أمير المؤمنين مجلسه! فقال لهم هارون: - قاتلكم الله - إن المغرور من غَرَرْتُموه، والسعيدَ من بعدتم عنه ثم خرج من عنده.