إحداها: أنه يؤدب ولا حد عليه، وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقول إسحاق. والقول الثاني: حكمه حكم الزاني، يجلد أن كان بكراً، ويرجم إن كان محصناً. وهذا قول الحسن. والقول الثالث: أن حكمه حكم اللوطى نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه، فيخرج عن الروايتين في حده، هل هو القتل حتماً أو كزانٍ! والذين قالوا: " حده حد القتل " احتجوا بما رواه ابن داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه ". قالوا ولأنه وطء لا يباح بحال، فكان فيه القتل حداً للوطء، ومن لم ير عليه الحد قالوا: لم يصح فيه الحديث، ولو صح لقلنا به، ولم يحل لنا مخالفته. قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي: سألت الإمام أحمد بن حنبل عن الذي يأتي البهيمة؟ فوقف عندها، ولم يثبت حديث عمرو بن أبي عمرو في ذلك. وقال الطحاوي الحديث ضعيف. وأيضاً فهو من رواية ابن عباس رضي الله عنهما. وقد أفتى بأنه لا حد عليه. قال أبو داود: وهذا يضعف الحديث. ولا ريب أن الزاجر الطبيعي عن إتيان البهيمة أقوى من الزاجر الطبيعي عن التلوط، وليس الأمران كما تقدم في طباع الناس سواء؛ فإلحاق أحدهما بالآخر من أفسد القياس.
قال سيدي عبد العزيز الديريني رحمة الله عليه في مختصر رسالة القشيري له: ومن أكبر الآفات للأمرد أن يعلق قلبه بمحبة مخلوق فإن ذلك من اكبر الشواغل، ويستعان على السلامة من ذلك بقلة مخالطة الناس، لاسيما ممن تميل النفوس إليهم لحسنٍ أو إحسان. قال سيدي فتح الموصلي: صحبت ثلاثين شيخاً - رحمة الله عليهم - كانوا يعدون من الأبدال وكلهم أوصوني عند فراقي لهم وقالوا: اتق معاشرة الأحداث. والتحقيق في هذه المسألة أنه من يغلب على ظنه أنه إذا صحب الأحداث مال إليهم بشهوة محرمة فإنه يحرم عليه صحبتهم، فإن صحبهم لمحرم فهي كبيرة، وإن صحبهم وعنده ميل إليهم وهو يزجر نفسه، فهو رجل مخلط جمع بين حسنات وسيئات. والمؤمن تسره الحسنة ويراها منه الله تعالى وتسوءه المعصية ويستغفر الله منها. وأما من يحب الشباب ويشاهد حسنهم، ويرى ذلك يزيد في بسطه مع الله، ومشاهدة جمال الله، فإن هذا هو الذي عدوه شركاً وكفراً، ومن سلم من الفتنة من محبة الشباب فتعلق قلبه بهم والأنس إليهم شاغل القلب، فلهذا كانوا ينهون عن صحبة الشباب. وأما من سلم من تعلق القلب بهم وصحبهم لله تعالى وأرشدهم وعلمهم وأدبهم فله الأجر العظيم، وهذا لا تخفى مصلحته ولم تزل الأصاغر ينتفعون بصحبة الأكابر في كل عصر من الأعصار وهذه المسألة يعرف الإنسان فيها حاله وينصف من نفسه ويستغنى عن فتوى غيره. انتهى كلام الشيخ عبد العزيز رحمه الله. قال سيدي فتح الموصلي: صحبت ثلاثين شيخاً كلهم كان يوصيني عند مفارقتي له بترك عشرة الأحداث وقلة الأكل.