قال ربنا جل وجلاله: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28].
قال أحد الصالحين -كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير -: قضيت عمري كله أطرق أبواب الناس، أريد أن يقول لي أحد من أصحابي: ارجع حتى أظفر بقول الله: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28].
وبعض الناس اليوم لا يفقه هذه المعاني العظيمة في القرآن، فلو قيل له: ارجع لأخرج جواله مباشرة فبعث عشرات الرسائل لأصدقائه يخبرهم أن فلان بن فلان طرقت بابه فقال لي: ارجع، مع أن رب العزة يقول: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28] فلأن ترجع خير من أن تقف بباب أحد لا يريد منك أن تدخل.
فالكريم لا يدخل إلا في مجالس له فيها مقام، وأما الأماكن التي لا تليق به أو لا يريد أصحابها أن يدخلها أو يأتيها أو يزورها فهو ينأى بنفسه عنها، وفي الأرض منأىً للكريم عن الأذى.
وفي بيت لأحد علماء شنقيط يقول فيه: وما حر يقيم بأرض هون ولو كانت مقر الوالدين لأن الإنسان المتأدب بأدب القرآن لا يقبل أن يدخل مكاناً ليس له فيه مقام، والعامة يقولون في أمثالهم الدارجة المقبولة: من يأتي بلا عزومة يقعد بلا فراش.
والمقصود بيانه أن الإنسان لا يذهب إلا على بينة، وهذا يختلف باختلاف العادات والتقاليد والأعراف وحالة أصحابك وخلانك.
قال الله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28] الأمر بالرجوع له ثلاث حالات: الحالة الأولى: الحالة الصريحة التي نص عليها القرآن، وهي أنه يقول لك: ارجع، بصريح الخطاب.
الحالة الثانية: ضمنية، وهي أن تستأذن فلا يؤذن لك، فيأتيك من بعثته ويقول: قلت لهم: فلان عند الباب فما ردوا.
الحالة الثالثة: ضمنية، وهي أن يكونوا موجودين فلا يجيبونك.
فالحالة الثانية قد يكون فيها غموض، كأن تجد حارساً على باب العمارة، فتبعثه فيعود، ويقول: قلت: فلان عند الباب فما تكلم أحد.
وفي الحالة الثالثة تطرق الباب ثلاث مرات، ويكون موجودين، ولكنهم لا يردون، فهذا رد ضمني.
أما الرد الصريح فهو أن يقول لك: ارجع، أو: لا أستطيع أن أستقبلك، فهذه هي التي قال الله فيها: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28].
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور:28] أي: أن الله جل وعلا مطلع على كل شيء، فهو يعلم لأي شيء رد هذا وقبل ذاك.