قال ربنا جل وعلا: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور:28] يعني: البيوت، ولم يقل الله: (فإن لم يكن) بل قال: (فإن لم تجدوا)، فبين الجملتين فرق، فلو قال جل وعلا لو قال جل وعلا: (فإن لم يكن) فمعنى ذلك: أن البيت لا يوجد أحد فيه، ولكن لما قال: (فإن لم تجدوا) فمعنى ذلك أنه قد يكون فيه أحد، ولكنه لم يتبين لك هل فيه أحد أو لا، فإذا أتيت إلى بيت أحد أصدقائك فطرقت الباب وهم موجودون، فهم إما نائمون وإما منشغلون، وإما سمعوا الطرق ولا يريدوا أن يجيبوا، فلا تدري هل هم موجودون أو لا، فبعد طرقة أو طرقتين أو ثلاث تكاد تقتنع بأنهم غير موجودين.
ثم قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا} [النور:28]، فلو قدر أن رأيناها مفتوحة فإننا لا ندخل؛ لأنها مغلقة بأمر الشرع لا بالمفتاح، وهو قول الله جل وعلا: {فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور:28]، فالبيوت عورات، فلا يجوز لأحد أن يقتحمها، وإذا استضافك أحد في قعر البيت فلا تلتفت ميمنة ولا ميسرة ولا تنظر فيما لا يعنيك، بل ادخل مطأطئاً رأسك غاضاً بصرك حتى تصل إلى المكان الذي أدخلك فيه.
والإنسان إذا كان في سلطان أحد فإن من الأدب الإلهي والنبوي أن يأتمر بأمر ذلك الذي بيده السلطان، بمعنى أن صاحب البيت أدرى أين يضعك، فلو وضعك في صدر المجلس فاجلس فيه، ولو وضعك في ميمنة أو ميسرة فاجلس حيث وضعك؛ لأنه أدرى بالمكان.