يقول الله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120]، وهذا حرص؛ لأن كل ثمار الجنة أباحها الله جل وعلا لآدم ما عدا شجرة، فدخل إبليس على أبينا آدم من باب الحرص فقال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120]، فوافق آدم؛ لأن ما بعدها يدل عليها، قال الله: {فَأَكَلا} [طه:121]، ألف التثنية أي: آدم وحواء، {مِنْهَا} [طه:121] أي: من الشجرة، {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه:121]، وتسمى العورة سوءة لأنه يسوء المرء إظهارها، الإنسان العاقل لا يرضى بظهورها، {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا} [طه:121]، (طفق) بمعنى: بدأ، وهو من أفعال الشروع عند النحويين، وهي تعمل عمل كان، إلا أنه يشترط في خبرها أن يكون جملة فعلية.
قال الله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121]، فهذا نص خلاف الأول، وقد خرجه بعضهم على أنه قبل أن ينبأ، وقال بعضهم: إن صغائر الذنوب تقع من الأنبياء، وبكل قال العلماء، وأنا أجنب نفسي.
لكن أقول: إذا تكلمنا عن الأنبياء نتكلم بنفس طريقة القرآن، ولا نقحم أنفسنا في الكلام عن أنبياء الله جل وعلا إلا بما حكاه الله جل وعلا عنهم، تأدباً مع أبينا عليه الصلاة والسلام ومع غيره من إخوانه وأبنائه من الأنبياء.
ثم قال الله تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122] هنا لا تفهم أن الأمر بالهبوط عاقبة للتوبة، وإنما قدم الله التوبة حتى يبين لك ألا تسترسل فيما بعد، فإن هذا النبي قد تاب الله عليه.
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه:123] [طه:123] ليس مفره على التوبة مفره على المسألة، لكن جعل الله التوبة قبلها والإجتباء والهداية حتى يريحك في تلقي الخبر، وأن هذا النبي الصالح تاب الله عليه، كمن تريد أن تخبره بأن قريباً له أصابه مكروه، فقبل أن تخبره أن ابنه دهته سيارة مثلاً قل له: ابنك بخير وعافية ولله الحمد الآن، ثم يمكن أن تقص عليه كيف دهته السيارة، لكن لا تبدأ بإخباره بالحادث، فإن هذا يجعله في رعب وينتظر النتيجة.
فأسلوب القرآن قدم النتيجة، فالله يقول لنبيه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43]، ثم أعطاه العتاب: {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43]، لكن لا تخشى من هذا العتاب فقد قدمنا {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة:43]، وهنا قال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122]، فرفع الله مقامه وغفر الله خطيئته، وقبل الله توبته.