الرهيب بعيدا عن عيون الناس الباحثة عن الطريق القويم. لم يكن هناك (تنظيم) أو (اتحاد) يوجهها. لقد استخلصت كل الحقائق من خلال تحليلها السليم للأمور، تحليل القلب المؤمن والعين المبصرة. والتقت كل النساء، المنعزلات، المتقوقعات، على الهدف، من غير مشاورات تمهيدية، ولا مقررات تنفيذية. وأمكن لها بذلك بناء قاعدة الثورة في منزلها. فاتصلت قواعد المنازل، وتشكلت القاعدة الصلبة.
من هذه القاعدة، أشرق الفجر الجديد في الفاتح من تشرين الثاني - نوفمبر- 1954، عندئذ بدأ التحول، وانتقلت (الأم الجزائرية) من قاعدة عملها السرية - إذا صح التعبير - إلى ميدان الجهاد العلني، فمضت تؤجج الحماسة في النفوس، تدفع فتى
العشيرة لحمل السلاح، وتودع الأب والابن والأخ وهي ترسلهم إلى ميادين القتال، ثم هي تحمل السلاح في معاقل الثوار، وتلقي القنابل في المدن وتقوم بكل الأعمال الخطرة، وتقبل التضحية بمثل ما كانت عليه أختها المجاهدة في صدر الإسلام.
ويجن جنون الاستعمار. لقد كان يتوقع كل شيء، إلا أن تكون الفواطم (جمع فاطمة) على مثل هذا الإقدام، وبمثل تلك الجرأة، فيزج فواته في حرب وحشية، يكون للمرأة فيها قسط كبير.
لم يكن تجريد العذارى من طهرهن، حبا في الانتقام فحسب، ولا رغبة مجونية عارضة فقط. إنما لتدنيس حرمة هذه التي صانها الإسلام وشرفها ورفعها إلى قدرها الذي تستحقه. واحتملت المرأة، صابرة، كل ما لحق بها من الإهانات، وكل ما ارتكب بحقها من الجرائم، فعرفت زنزانات التعذيب، وتعرضت للقتل، وعاشت حياة السجون والمعتقلات ومعسكرات الترحيل والانتقال