فوق صخرة مرتفعة، فسقط أربعة أمتار ليستقر فوق قمة الأشجار الكثيفة، وصرخ الجندي الذي تلقى الضربة، فأسرع لتلبية صراخه نفر من الجند المتعطشين للدماء وقد ساد الصخب والضجيج فيما بينهم. وبقي (سي الشيخ) مختبئا وقد حمته الأشجار من أنظار المراقبين والمستطلعين. ولم يكن باستطاعته الخروج من الغيضة الآن إلا تحت مراقبة العدو، ولا زال أمامه ثلث الجبل الذي يجب عليه أن يجتازه حتى يبتعد عن منطقة الخطر. ولم يبق أمامه إلا حل واحد للخروج من مأزقه: محاولة الوصول إلى الوادي الواقع تحته، حيث يمكنه بعد ذلك السير لاجتياز الحقول الطينية بصورة حتمية، واذا ما أمكن اكتشاف أمره عندها، فسيكون قد ابتعد مسافة لا تقل عن ثلاثمائة متر. وخلال هذه الفترة كانت هناك زمرتان من جند العدو قد انطلقتا بأقصى سرعة لهما للإمساك يمجنبتي الجبل، وقطع كل طريق للانسحاب.

وقفز (سي الشيخ) بغتة، وانطلق مسرعا - كالصاروخ - فاجتاز آخر غيضة من الغياض، وتابع مساره باندفاع مذهل في طريقه نحو السلامة، غير أنه كان باستطاعة الواقفين على مرتفعات الجبل مراقبة كل حركة، وكان الأسرى يبتهلون الله في سرهم بأن ينقذ شيخهم، ويتابعون تقدمه عبر حقول الطين وقلوبهم تخفق بشدة. وانطلقت بغتة نيران متصلة؛ وتدحرج الهارب، وأخذ يتلوى من الألم، غير أنه حاول الوقوف من جديد، فعاجلته نيران انصبت عليه كالسيل، فأغرقته ومزقت جسده. لقد استشهد (سي الشيخ). وخسر الشعب الجزائري باستشهاده مجاهدا من أفضل أبنائه المجاهدين، كما فقدت الثورة بطلا من أبطالها الذين يحق لها أن تفخر بهم على الأيام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015