وراء ما يزعم من أصول التربية الحديثة، وكأن هذه التربية شيء غريب عن الإسلام والمسلمين، وكأنه لم يكن في هذه الأمة مفكرون في أصول التربية، نظروا في أسسها، وشرحوا أهدافها، ووضحوا مناهجها، ولذلك فإن هذه التربية الحديثة لا تستقل على هؤلاء الصبيان شيئا إلا أخذهم بحفظ كتاب الله، وتنشئتهم على هداه، وما أسرع ما استجاب ضعاف النفوس لهذه الدعوة، غير ناظرين إلى ما تخفي هذه الدعوة وراءها من عمل الاستعمار على المباعدة بين نائئة هذه الأمة، وبين المأثور الصالح من تقاليد السلف وأصول العقيدة، ولن يتمكن العرب من فهم دينهم إلا إذا اهتموا بالقرآن الاهتمام التام.

إن القرآن هو أسمى الكتب السماوية التي تبدو فيها سمات الرقي جلية ناصعة مهما سخر أولئك السذج المتعصبون لآلية العصر، والمتذيلون للمدنية المادية التي تقوم على أساس الغرائز والتي لابد أن تهوي في العاجل القريب إلى التلاشي والفناء. بل قل: إنها بدأت تسير في طريق الفناء بخطوات واسعه، لن تغيثها منه سلطة الاختراعات، ولن تنجيها قوة الحديد والنار.

حقا إن ما يحتويه القرآن بين ثناياه من إمارات السمو وعلائم الكمال لهو خليق بالدرس والتأمل. ولم لا؟ ألسنا في الوقت الذي نرى فيه أنصار المدنية المادية، وأشياع الحرية الزائفة، يوغلون في الظلم والجشع والكذب والنفاق، نشاهد مبادىء هذا الكتاب تنتصب وسط الدائرة الجهنمية المؤلمة من الآثام والجرائم منارة عالية بها بعد الطبيعة تشع من ثناياها الأنوار السماوية، وتنبعث من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015