ما حفظ من الدين، يظن أنهم يعرفون ذلك الذي خفي عليه. وعلى ذلك يكون حفظ آيات القرآن من أعظم الدواعي إلى دراستها وطلب معرفتها.

وكثير من العلماء الأعلام الذين حفظ التاريخ آثارهم، وجرى ذكرهم في الخافقين، وكانت لهم اليد الطولى في الدرس والإفادة والتأليف، وخدمة العلم والأدب، كانوا من أولئك الذين لقنوا القرآن وهم صغار أحداث لم يبلغوا رشدهم، وكانوا هم الذين فهموا كتاب الله واجتهدوا في تأويله، واستنبطوا منه الآداب والأحكام، وأصبحوا أئمة يستضاء بنورهم، ويهتدى بهديهم وقد خدم كثير منهم الدين، وأحيوا علوم اللسان، وحذقوا كثيرا من ألوان المعارف، وأصبحوا بها مضرب الأمثال.

لقد فتح القرآن الكريم لكثير من النابهين باب النبوغ، ولم يعطل لواحد من الذين عنوا به، وأقبلوا عليه، ملكة من الملكات؛ بل إنه هو الذي نبه فكرهم، وشحذ عزائمهم، وجعل لهم ذكرا في العالمين. وكان البيت المسلم يحرص أشد الحرص على أن تلقى فيه آيات القرآن، يسمعها الرجال والنساء والولدان كل صباح، لا يكاد يخلو من ذلك بيت من بيوت المسلمين. وكان التنادي في الإغراق على قراء القرآن ومحفظيه للأحداث مضرب الأمثال. كما كان الولدان أنفسهم يتنافسون في حفظه ويتبارون في تلاوته.

كان ذلك من تقاليد المسلمين، حتى سرت عوامل الضعف وتتابعت الأحداث، ووفد الاستعمار على بلاد المسلمين، مختفيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015