خلالها الأصوات الأبدية، هاتفة باسم الحق، مؤيدة كلمة الفضيلة، ناطقة بقداسة الشرف واحترام العدالة والإنصاف، ولا تكاد هذه الأنوار تبدو، حتى تغشى عيون الآثمين، ويخطف سنا برقها أبصار المجرمين، ولا توشك تلك الأصوات أن تهتف حتى ترتجف منها قلوب الظالمين. وترتعد لها فرائص المنافقين.
ويحس أولئك وهؤلاء في أفئدتهم بالرهبة من السماء، تهددهم وتنذرهم بالويل والثبور، وعندئذ يحنقون على أهل هذه التعاليم القوية الكاشفة عن تضليلهم، والفاضحة لتغريرهم، ويودون أن يمزقوهم شذر مذر ليزول سلطانهم، ويتزلزل كيانهم، وعندئذ لا يجدون أمامهم أنجع من وسائل الدس والتفريق، ولا أنجح من بث الشقاق والتمزيق. ولا أحد من سيف الإغراء والإغواء، وتملك المطامع، والتزلق إلى الأهواء. وإنشاب أظافر الاستعمار في بلادهم، والهيمنة على مواقفهم، والتسلط على مواردها ومصادرها حتى يستذلوا فيخفتون بهذا الاستذلال ذلك الصوت الذي يروعهم نهارا ويقض مضاجعهم ليلا.
ولكن لو أن المسلمين أخلصوا لدينهم، واتبعوا تعاليم كتابهم، وتخلقوا بأخلاق نبيهم، لسخروا من كل إغراء، ونظروا إلى المثل الأعلى المرسوم في قرآنهم. وتطلعوا إلى السمو المتمثل في كل آية. وأيقنوا أن هذا الكتاب، شأنه أن يقودهم إلى الحرية والسعادة. بل إلى الرفعة والسيادة. ذلك بأنه إذا انتصرت في قلوب المؤمنين روح الخير التي تمثل الألوهية على الأرض، تعهدت هذه الروح العلائق بين الإنسان وربه بالتقوية والإنماء.